للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[٣ - الأحلام]

للفيلسوف الفرنسي هنري برجسون

بقلم الأستاذ ألبير نادر

التذكر!

في حالة اليقظة تمر بنا ذكريات تظهر وتغيب متطلبة انتباهنا على التوالي وعلى الدوام. ولكنها ذكريات مرتبطة ارتباطاً وثيقاً بحالتنا وعملنا. إني أتذكر في هذه اللحظة كتاب المركيز درني في الأحلام لأني أبحث في موضوع الحلم وأنا الآن في معهد الدراسات النفسية ومحيطي ومشاغلي وما أراه وما أنا قائم به من عمل، كل هذا يوجه نشاط ذاكرتي نحو اتجاه معين. إن الذكريات التي نناجيها وقت اليقظة، مهما تبدو غريبة عن مشاغلنا الوقتية فإنها تمت إليها دائماً بصلة ما. ما هي وظيفة الذاكرة عند الحيوان؟ هي أن تُذكره في كل مناسبة العواقب النافعة أو المضرة التي سبق أن تلت حوادث متشابهة للحوادث الحاضرة، وتخبره عندئذ بما يجب عليه عمله. - عند الإنسان - اعترف بأن الذاكرة تكون في حالة تحرر عن العمل أكثر مما هو الحال عند الحيوان؛ ولكنها لا تزال مرتبطة بالعمل، فإن ذكرياتنا في وقت ما تكون كلاً متماسكا. قل إذا شئت هرماً قمته في حركة مستمرة ومتفقة مع وقتنا الحاضر وتغوص معه في وقتنا المستقبل. ولكن خَلف الذكريات التي ترتكز هكذا على مشاغلنا الحاضرة وتظهر بواسطتها، توجد ذكريات أخرى - آلاف وآلاف أخرى - موجودة في الأسفل، خلف المسرح المضاء بواسطة الوجدان. أجل أظن أن ماضينا موجود هناك محفوظ حتى أقل جزء منه، وأننا لا ننسى شيئاً، وأن كل ما أدركناه، وكل ما فكرنا فيه وأردناه منذ أول فجر وجداننا فإنه يدوم أبداً. ولكن الذكريات التي تحافظ عليها ذاكرتي هكذا في أظلم أعماقها موجودة هناك على شكل أشباح خفية - ربما تتشوق إلى النور ولكنها لا تحاول أن تصعد نحوه فهي تعرف أن هذا من المستحيل - وإني أنا الكائن الحي الفعال لديَّ مشاغل أخرى تنهاني عنها. ولكن لنفرض أنه في وقت ما أكف عن حالتي الحاضرة، عن العمل الملح أي عن كل ما كان يحصر في نقطة واحدة كل نشاط ذاكرتي. لنفرض باختصار أني نائم - فحينئذ تتحرك تلك الذكريات الثابتة عندما

<<  <  ج:
ص:  >  >>