تشعر بأني نزعت العائق ورفعت الحاجز الذي كان يجعلها ملازمة قاع الوجدان، فتنهض وتهب وتضطرب وتقوم برقص قبري عظيم في ظلمات الوجدان - وجميعها تتجه نحو الباب الذي انفتح، تريد أن تمر كلها ولكنها لا تقدر لكثرة عددها. فما هي الذكريات المختارة من هذا الحشد المدعو؟ أنكم تدركونها بسهولة. منذ لحظة، عندما كنت في حالة اليقظة، كنت أختار فقط الذكريات التي تمت بصلة قرابة إلى الحالة الحاضرة، أعني مداركي الحالية. وإنها الآن لأشكال أكثر إيهاماً ترتسم أمام عينيَّ وأصوات أقل وضوحاً تؤثر في أذنيَّ؛ ولمس أقل وضوحاً مبعثر على طول مساحة جسمي ولكنها أيضاً احساسات أكثر عدداً تأتيني من داخل أعضائي. ولكن من بين هذه الذكريات الشبحية التي تحاول أن تكتسب ثقلاً بواسطة اللون والرنين والمادية، فقط تظهر تلك التي يمكنها أن تمتثل الغبار الملون الذي أشاهده، والأصوات الخارجية والداخلية التي أسمعها الخ. والتي تتفق أيضاً والحالة العاطفية العامة التي تكونها التأثيرات العضوية، ومتى حصلت هذه الصلة بين التذكر والإحساس ينتج الحلم.
في صفحة شعرية من صفحات كتاب التساعيات يشرح لنا الفيلسوف أفلوطين - مترجم أفلاطون ومتممه - كيف يولد الناس وينالون الحياة - يقول: تبدأ الطبيعة في صنع الأجسام الحية ولكنها تبدأ فقط، وإذا تركت الطبيعة وشأنها فلا يمكنها أن تصل إلى النهاية. ومن جهة أخرى تسكن الأرواح في عالم المُثل حيث لا يمكنها أن تعمل، وهي لا تفكر في العمل فترفرف مرتفعة عن الزمن خارجة عن الفضاء - ولكن بين الأجسام ما يكون أكثر ملاءمة بفضل أشكالها لأغراض هذه الأرواح أو تلك - ومن بين الأرواح ما يجد نفسه أكثر ملاءمة ليحل في هذه الأجسام أو تلك - والجسم - وهو لا يخرج حياً تماماً من بين أيدي الطبيعة - يرتفع نحو الروح التي تهبه الحياة الكاملة. والروح تنظر إلى الجسم الذي تظن أنها ترى فيه صورتها فتنجذب وتنخدع كأنها أمام مرآة وتترك نفسها تندفع نحوه وتنحني وتسقط - وسقوطها هو ابتداء الحياة - إني أشبه الذكريات التي تنتظر في ثنايا الوجدان الخفية بتلك الأرواح المنفصلة - وهكذا احساساتنا الليلية فإنها تشبه هذه الأجسام في بداية تكوينها. الإحساس حار ملون رنان، وتقريباً هي كذلك ولكنه غير مستقر - والتذكر واضح معين ولكنه فارغ وبدون حياة. يبحث الإحساس عن شكل يثبت فيه خطوطه المتقلبة.