للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[موسيقى. . .]

للأستاذ دريني خشبة

كلما جلست وحدي تحت قبة السماء، لا يمضي غير قليل حتى تملأ أذني موسيقى الأفلاك. . . الأفلاك العلوية. . . التي تسبح فوقها الملائكة!

ما أطيب الوَحدة في هذا الزمن! إنها تصلنا بالأول والآخر، والظاهر والباطن. . . إنها تصلنا بالله!

ما أجمل موسيقى هذا الوجود المشرق بنور ربه! النور الذي يُدَوي بأعذب الألحان في قلوب الشعراء والمؤمنين والمحبين! النور الذي يفيض على الخمائل فيغني الورد، وتصدح البلابل، وتسقسق العصافير، ويهتز الأيك، ويستيقظ الوادي النائم، ويصحو النهر الوسنان، وتهرول الأنجم الحَيْرى، ويقف البدر الخجول مستأذناً عند أبواب المغرب الفضية!

غَنِّ يا قلبي فكل ما في الوجود يغني!

هات ألحانك فكل ما في الوجود ألحان!

ألحان صامتة هنا، وألحان مُدَوِّية هناك؛ وألحان من ألوان الزهر الضاحك، والفَنَنِ المورق، والبلبل الشادي، والخرير المترقرق، والنسيم العاشق، وعبير الحب في القلوب اليافعة، وابتسام الأمل في قلوب العذارى، وبراءة الحَمَل وهو يقضم الكلأ، ثم يحسو جرعة من صفحة الغدير!

تلك موسيقى الخلود أيها الفؤاد المعمود!

ألست ترى إلى قطرات الكد التي تتحدر فوق جبين العامل! وتفيض ملء أسارير الفلاح؟. . . إنها صلوات الرجاء الذي لا ينقطع، وأدعية الأمل الذي لا يخيب. . . إن لها بين يَدَي الله لغِناء تردده الملائكة من حول العرش، كما تردده الأطفال من حول الأم. . . أما في قلوب العمال والفلاحين، فهي موسيقى الإيمان الذي لا ينقم، والرضى الذي لا يسخط، والقناعة التي لا تضيق، والتسليم الذي لا يعرف الحسد

كل ما في الكون ألحان فتغن يا فؤادي

ليست ألحان الرياح في أوتار الدوح، ولا هديل الحمائم في ضحى القرية، ولا موسيقى الكروان في هدأة الليل، ولا تنهدة الحسناء في ضوء القمر، ولا تناجي المحبين في غفلة

<<  <  ج:
ص:  >  >>