لتَتَذوق رحيق الفن، وتتسلل إلى سراديبه الرهيبة وتعانق غوانيه المعطرة. . يجب أن تقرأ - بول فاليري - فقصيدة واحدة من هذا الشاعر العبقري المجدد حياة فنية منفردة لها ألوانها وخطوطها وأصباغها. جملة صغيرة من ريشة بول فاليري تعطيك معنى ألذ من تغريد البلبل، وأطرب من أنغام الرباب. وأعذب من الأحلام. . أما الحياة التي تلمسها في سطوره وصوره فتبكي وتفرح، تشكو وتبتسم. تغرد للصباح الضاحك، وتكتئب للمساء الحزين؛ حياة ككل حياة، لكنها تختلف برموزها وأسرارها. وهذه الرموز والأسرار هي عبقرية الشاعر العظيم والفنان الملهم؛ وهي كائنه الحي الأعلى؛ هي روحه التي غاصت في البحر فالتقطت درره، وتغلغلت في الليل فاتشحت بإزاره. وفي القلوب فاجتنت ميولها وعواطفها وشهواتها.
لقد قرأت أكثر مؤلفاته فتبينت فيها الفن المجنح الذي يفتح عينيك على صور موشاة بجميع ألوان الحياة وأدهنتها الرائعة. وما إن تحدق قليلاً بسطر من سطوره حتى تتولاك رحاب الشاعرية؛ هي غيبوبة بعيدة القرار يشملك بها الشاعر الفنان فيريك بهجة الربيع واخضراره، ويسمعك عويل الخريف وشكواه. وإن شاعراً يغمرك بكل ما تشتاقه الروح ويحلم به القلب ليعرف من الحياة غير أسمائها. ويقرأ من الكلمات أكثر من حروفها، ويبصر في مشاهد الأعراس والمآتم غير ما يبصره الناس!
ومن أروع ما طالعته أخيراً لهذا الشاعر الساحر رسالة دعاها - دموع الحب - قرأتها بروح نَهِمة تريد أن تتفهم معاني الحياة وتتكشف أسرار الجمال فإذا هي قطعة فنية خالبة يشوقك ما فيها من تقديس لدموع الحب، الحب الذي يتفجر من صدر المرأة فيبقى خافقاً في روع الماضي والحاضر والمستقبل. وليت شعري هل في العالم حديث أعذب من حديث رقيق تدبجه ريشة الفنان المتعبد للمثل الأعلى في ساعات وحيه وإلهامه؟ إن الكلمة التي تتحدر في قلبك وقد تشربت بدموع الحب وتسربلت بضبابه لهي الكلمة الحية، بل هي الكلمة الخالدة التي تتباغم بها أشباح الأيام والليالي.
ولكنني وقفت مبهوتاً أمام مقطع صغير عنوانه - انتحار ودموع - لا لشيء إلا لأنه مقطع