تمتاز اللغة العربية عن سائر اللغات بحركات الإعراب التي تلحق أواخر الكلم، إلا ما يقال عن بعض اللغات السامية: كاللغة السريانية: من أن لها علامات إعرابية، وهي لغة ميتة. وأما سائر اللغات سواء الحية منها أو الميتة فان أواخر كلماتها ساكنة، مهما تغير موقع تلك الكلمات من الجملة، وأما باقي أبحاث اللغة: من صرف، واشتقاق، وبلاغة، إلى غير ذلك فهي موجودة في أكثر لغات العالم
وقد بذل علماء اللغة العربية - منذ القرن الأول للهجرة - جهوداً جبارة للكشف عن حقيقة هذه الظاهرة الإعرابية، ومعرفة أسبابها، فاستنبطوا قواعد وضوابط زعموا أنها تكشف عن حقيقة هذه الظاهرة ومعرفة أسبابها. فكان من نتيجة استنتاجهم أن هذه الحركات الإعرابية متأثرة بعامل يكون في الجملة، فكأنهم اعتبروها كائنات حية تؤثر أثرها. وإنا لنعترف لهم بالفضل لتتبعهم واستقرائهم كلام العرب، منظومه ومنثوره ورحلاتهم الطويلة الشاقة لأجل مشافهتهم الأعراب: ولكنهم لم يوفقوا في استنباط هذه القواعد والدساتير
وقد أولعت منذ نعومة أظفاري - بدرس اللغة العربية ومدارستها، وقرأت كل ما وصل إلى يدي من مؤلفاتها؛ ومع ذلك لم يزل الشك يساورني في صحة هذه القواعد والدساتير التي وضعها علماء اللغة لها، هذا مع اعترافي بصحة هذه الظاهرة الإعرابية.
فكنت على الدوام أتطلب وأتساءل وأجمع المعلومات لعلي أهتدي إلى تعليل صحيح لهذه الظاهرة بحيث يكون قريباً من الذوق الفطري.
وصادف أني اجتمعت بزميل لي يشاركني هذه الفكرة ويجول في ذهنه ما يجول في ذهني ويتمنى لو تسني له أن يزيل اللثام عن هذه القضية. فقد احتلت حيزاً كبيراً من عقله فكان حين صادفني هذه المرة أن قال لي قبل كل شيء: البشرى. فقلت له: ومثلك من يبشر بخير. فقال: طلع علينا كتاب من مصر لأستاذ مصري اسمه إبراهيم مصطفى واسم الكتاب