كيف وحد المؤلف أحكام المبتدأ والفاعل وأزال وجوه التفرقة بينهما لانتفت عنده كل شبهة ولآمن بأن البابين باب واحد شطرته الصناعة الفاسدة شطرين، وذلك أننا حينما ننظر إلى المبتدأ والفاعل كشيء واحد هو المسند إليه نستطيع أن نوحد أحكامهما المختلطة؛ واهم ما يفرقون به بين الفاعل والمبتدأ أن الفعل يوحد مع الفاعل الجمع أو المثنى، وأما المبتدأ فلابد أن يطابقه الخبر، ولكن المؤلف جمعهما في هذا الحكم بقاعدة سهلة يسيرة هي أن المسند إليه إذا تقدم وجب أن يطابقه المسند في العدد وإذا تأخر وجب أن يكون المسند مفرداً وهي قاعدة مضطردة لا يقام لسبيلها والحال كذلك في التعريف والتنكير، وذلك أنه إذا تقدم المسند إليه وجب أن يكون معرفة، وإذا تأخر جاز أن يكون نكرة، والحال كذلك في التقديم والتأخير، فإذا كان المسند إليه من ألفاظ الصدارة وجب تقديمه، وإن أوقع تقديمه في لبس وجب تأخيره والعكس بالعكس، وهكذا نجمع أحكام الأبواب الثلاثة تحت باب واحد فنسهل بذلك على الدارس المبتدئ ونحببه في دراسة النحو ولا نفوت من أحكام اللغة حكماً واحداً صغيراً أو كبيراً.
وإني أسأل الأستاذ بدوي سؤالاً واحداً بعد ذلك كله: ألم يجد في كتاب إحياء النحو شيئاُ واحداً يستحق التقدير والثناء حتى كان كل نقده من أول حرف إلى آخر حرف ذماً وانتقاصاً؟ لا أظن أحداً من الناس يوافقه على أن كتاباً خرج في مائتي صفحة ليس فيه موضع لثناء أو تقدير، ولو أن كتاباً خرج كذلك بالفعل لوجب على من يريد أن يحاربه أن يتلمس له موضع حسن حتى يوهم الناس أن نقده بريء خال من الهوى والتعصب.