الإعراب حكما لفظياً يتبع لفظ العامل دون أن تكون له إشارة إلى معنى خاص، أو أثر في تصوير المفهوم؛ فما كان للعرب أن يلتزموا هذه الحركات ويحرصوا عليها الحرص الشديد وهي لا تعمل في تصوير المعني شيئاً؛ ونحن نعلم أن العربية لغة الإيجاز، فالعرب يحذفون الكلمة إذا فهمت والجملة كذلك، ويهملون ما لا حاجة إليه رغبة في الإيجاز كعلامة التأنيث في الصفات الخاصة بالمؤنث، كما في أيم وظئر ومرضع، فهل يعقل في لغة هذا شأنها من الإيجاز أن تلتزم حركات إعراب مختلفة دون أن تكون هذه الحركات دالة على معان مختلفة
نرى في اللغة العربية ظاهرة التعدد في صيغ الكلمات والأدوات التي تؤدي وظيفة واحدة، ولكن لكل واحدة معنى خاص تشير إليه كصيغ الجموع المختلفة، كل صيغة لها دلالتها الخاصة، والصيغ المختلفة للصفة المشبهة لكل صيغة دلالتها الخاصة، وأدوات النفي لكل أداة معنى خاص في النفي، وأدوات الشرط المختلفة كذلك لا يعدل عن واحدة إلى الأخرى إلا تبعاً للمعنى؛ وهكذا في كل الظواهر التي نشاهدها في اللغة العربية، وما علامات الإعراب إلا ظاهرة من هذه الظواهر الكثيرة تسير على منهاجها وتأخذ حكمها، وتكون دالة على معان مختلفة، وتتغير تبعاً لتغير هذه المعاني؛ فالذي يعدل بالعربي عن حركة من حركات الإعراب إلى الأخرى إنما هو المعنى وليس عاملا من العوامل. ذلك ما أرتاه الأستاذ الجليل مؤلف (إحياء النحو) في حركات الإعراب. اشهد ويشهد معي كل منصف أنه فتح جديد في فهم العربية
فما عسى أن يقول الأستاذ بدوي في ذلك وما عساه أن يقول في هذه العبارة (نريد أن نفهم حركات الإعراب كما نفهم الظواهر الأخرى في اللغة العربية كصيغ الجموع المتباينة وصيغ الصفات المختلفة وأدوات النفي المتنوعة من حيث دلالة كل واحدة منها على معنى خاص؟)
وأخير لم يرق لدى الأستاذ الناقد أن تضم أبواب الفاعل والمبتدأ ونائب الفاعل تحت باب واحد هو المسند إليه وحجته أن المبتدأ لا يصح أن يكون نكرة والفاعل يصح أن يكون كذلك وللمبتدأ أحكام مع الخبر من حيث تأخره وتقدمه عليه ووقوع الخبر جملة حيناً ومفرداً حيناً آخر وليس للفاعل حظ من ذلك. والجواب عن ذلك سهل يسير؛ فلو أن الأستاذ فهم