وفعل المجهول في مثل كَتَب وكُتِب، وبين الفعل والمصدر في مثل عِلم وعلْم، وبين الوصف والمصدر في مثل فرِح وفرَح وحَسن وحْسن، وبين المفرد والجمع في مثل أسَد وأسْد، وبين الفعل والفعل في مثل قدِم وقدُم، وبين معان أخرى كثيرة يتبينها الناظر في مفردات اللغة العربية بسهولة وبكثرة عظيمتين.
من هذا نرى عناية اللغة العربية بالحركات على اختلاف أنواعها وحرصها على الدقة فيها حرصاً شديداً.
وقد حاول علماء النحو أن يعرفوا أن منشأ حركات الإعراب، وفكروا في ذلك طويلا وأنعموا النظر ودققوا الإحصاء، فهداهم كل ذلك إلى أن حركات الإعراب ليست إلا نتيجة لعامل مذكور في الجملة، وإن لم يكن مذكوراً فلا بد من تقديره حتى يسلم العقل بوجود حركة الإعراب لأنها عرض حادث لا بد له من محدث، ومحال أن يوجد الحادث من غير محدث؛ وقد أطالوا الكلام في العامل لأنه في نظرهم سبب حركات الإعراب، فجعلوا الأصل في العمل للأفعال، والأسماء تعمل حملا عليها، وبعض الحروف يعمل حملا على الفعل؛ وجعلوا بعض العوامل قوياً وبعضها ضعيفاً. وعلى الجملة قد وفوا العامل حقه من البحث والإحصاء، وألفوا كتباً تجمع قواعد النحو تحت عنوان العوامل. وقد عشنا على هذه النظرية طوال هذه السنين حتى أحالها الزمن إلى عقيدة ثابتة يؤمن بها الصغير والكبير، فأعطينا للكلمات المختلفة قوة ترفع وتنصب وتجزم، ولم نعطي لأنفسنا هذه القوة، ونحن الذين ننشئ الكلمات ونغيرها ونبدلها ونحن الذين نرفع وننصب ونجزم.
وقد جاء المستشرقون وحاولوا أن يجدوا أصلا لحركات الإعراب فافترضوا أنها بقايا لزوائد كانت تلحق بالأسماء، وقد انقرضت الزوائد وبقيت الحركات دالة عليها، وهذا مجرد فرض لم تقم على صحته أدلة كافية باعتراف المستشرقين أنفسهم
ثم جاء الأستاذ الجليل مؤلف (إحياء النحو) ونظر فيما قرره النحاة في منشأ حركات الإعراب وما انتهى إليه المستشرقون، أطال النظر فيما سبقه من الآراء والنظريات، وأطال الاتصال بالعربية وأساليبها الصحيحة فلم يرقه ما قرره أولئك ولا هؤلاء في منشأ حركات الإعراب، واهتدى بثاقب فكره إلى أن حركات الإعراب إنما هي إشارة إلى معنى خاص يقصده العربي حين يلتزم الفتحة أو الكسرة أو الضمة، ولم يستقم عنده أن يكون