كان الحديث عن آفاك الأرمني الذي قيل إنه طبيب روحاني يشفي الأمراض المستعصية ويلمس المريض مرة أو مرتين فينهض سليما معافى.
وكان المتحدث رجلا يصدق من الغرائب والمفارقات بمقدار ما فيها من مفاجأة الناس ومصادمتهم بالمستبعد المستغرب من الأمور. . . له في الحديث لازمة هي كلمة (لا) النافية. يقولها عشرين أو ثلاثين مرة في الجلسة الواحدة، ويقولها لمن يوافقه ومن يعارضه، ولمن يقبل كلامه على علاته ومن يرفضه (على طول الخط) كما يقولون. ويخيل إليك وأنت تستمع إلى حديثه إنه يفضل إنكارك كلامه على موافقتك وتأمينك. لأن الإنكار يفتح له باب الجدل والاستمتاع بتلك الكلمة المحبوبة لديه، البغيضة إلى الناس اجمعن، وهي كلمة (لا) النافية ومرادفاتها في اللغة العربية.
قال: إن أفاك شفى مشلولا كسيحا لا ينهض على قدميه.
قالها والتفت إلى متوقعا أن أنكر منه هذا الخبر، واجزم باستحالته أو استبعاده.
فخيبت ظنه وقلت: يحصل. نعم يحصل في الزمن القديم وفي هذا الزمن. وقد حصل على أيدي الأطباء الذين لا ينتحلون لأنفسهم قدرة روحانية ولا كرامة من كرامات الأولياء. وحصل في عهد العباسيين قبل هذا العهد الحاضر الذي عرف الناس فيه علم العلاج النفساني وسلكوه في عداد العلوم الطبيعية. وذكرت قصة الجارية التي كان الرشيد يحبها فرفعت يدها ذات يوم فبقيت منبسطة لا يمكنها ردها، وعولجت بالتمريغ والدهن فلم ترجع يدها إلى حركتها. فلما استدعى ابن بختيشوع لعلاجها قال الرشيد: إن لم يسخط على أمير المؤمنين فلها عندي حيلة: تخرج الجارية إلى هاهنا بحضرة الجميع حتى أعمل ما أريده فأمر الرشيد بالجارية فأحضرت، أسرع إليها الطبيب وأوثق يدها الطليقة وأمسك ذيلها وكأنه يريد أن يكشفها. فانزعجت الجارية وبسطت يدها المعتقلة إلى أسفل. وكان ذلك شفاءها.
هذا وأشباهه جائز في الطب مشاهد في الواقع، والمعمول فيه على استفزاز القوى الحيوانية من طريق المؤثرات النفسانية. فإذا كان آفاك يملك القدرة على استفزاز هذه