يبدو الأمريكي - على الرغم من العلم المتقدم والعمل المتقن - بدائيا في نظريته إلى الحياة، ومقوماتها الإنسانية الأخرى بشكل يدعو إلى الدهشة. ولعل لهذا التناقض الواضح أثره في ظهور الأمريكان بمظهر الشعب الغريب الأطوار في نظر الأجانب، الذين يراقبون حياة الشعب من بعيد؛ ويعجزهم التوفيق بين هذه الحضارة الصناعية الفائقة، وذلك النظام الدقيق في إدارة الأعمال، وادارة الحياة. . وبين هذه البدائية في الشعور والسلوك، تلك البدائية التي تذكر بعهود الغابات والكهوف!
يبدو الأمريكي بدائيا في الإعجاب بالقوى العضلية، والقوى المادية بوجه عام، بقدر ما يستهين بالمثل والمبادئ والأخلاق، في حياته الفردية، وفي حياته العائلية، وفي حياته الاجتماعية - فيما عدا دائرة العمل بأنواعه، وعلاقات الاقتصاد والمال - ومنظر الجماهير وهي تتبع مباريات كرة القدم، على الطريقة الأمريكية الخشنة التي ليس لها من اسمها (كرة القدم) أي نصيب، إذ أن (القدم) لا تشترك في اللعب، إنما يحاول لاعب أن يخطف الكرة بين يديه، ويجري بها ليقذف بها إلى الهدف، بينما يحاول لاعبو الفريق الآخر أن يعوقوه بكل وسيلة، بما في ذلك: الضرب في البطن، وتهشيم الأذرع والسيقان، بكل عنف وكل شراسة. . منظر الجماهير وهي تتبع هذه اللعبة، أو تشاهد حفلات الملاكمة والمصارعة الوهمية الدامية. . منظرها في هياجها الحيواني، المنبعث من إعجابها بالعنف القاسي، وعدم التفاتها إلى قواعد اللعب وأصوله، بقدر ما هي مأخوذة بالدم السائل والأوصال المهشمة، وصراخها هاتفة: كل يشجع فريقه: حطم رأسه. دق عنقه. هشم أضلاعه. اعجنه عجنا. . هذا النظر لا يدع مجالاً للشك في بدائية الشعور التي تفتن بالقوة العضلية وتهواها.
وبمثل هذه الروح يتابع الجمهور الأمريكي صراع الجماعات والطوائف، وصراع الأمم والشعوب. ولست ادري كيف راجت في العالم والطوائف، وصراع الأمم والشعوب. ولست ادري كيف راجت في العالم - وبخاصة في الشرق - تلك الخرافة العجيبة. خرافة أن