انتهت غزوة حمص التي شنها قازان ملك التتار على ملك مصر الناصر بن قلاوون بالفشل في ختام القرن السابع الهجري، ولم يشف صدره من المصريين ويثأر لدماء آبائه وأجداده، فاشتعل قلبه حقداً، وبات يقلب الرأي، ويستشير أمراء دولته، عله يجد منفذاً إلى بغيته، وينال مأرباً عز نيله على سالفيه، ويفتح مصر ويكفى التتار شرها، ويبيت آمناً في تبريز، حالماً باقتحام شمال إفريقية، فيرث دولة الإسلام بتمامها، ويختم الرواية التي بدأها جده جنكيز خان.
الرأي قبل الشجاعة:
كان قطلوشاه نائب قازان في مملكة التتار، وأمير أمراء الجيوش، يقف قازان عند رأيه ولا يربم عن مشورته، وقد استشاره الملك فيمن استشار فأفتى بأن يتظاهر الملك بالإسلام، ويطلب الصلح من المصريين والحلف معهم، حتى إذا أمنوا جانبه، واستناموا إلى الخديعة، واطمأنوا إلى عدوهم، وأهملوا استعدادهم أخذهم على غرة، دون أن تثور الحمية الدينية في نفوس أمتهم، متى علموا أن التتار مسلمون، ومتى تم النصر وتمكن التتار من الرقاب، فلن يهمهم أن تعلم مصر حقيقة إسلامهم، فقديماً دخل التتار بغداد بالخديعة واستدرجوا الخليفة والأعيان إلى معسكرهم، ومثلوا بهم شر تمثيل، بعد أن حسبوا أنهم ذاهبون للصلح وحفلة عرس.
الرسل الثلاثة:
في ليلة الاثنين ٥ من ذي الحجة سنة ٧٠٠ وصل رسل قازان الثلاثة إلى القاهرة وهم قاضي الموصل كمال الدين الشافعي ومعه رجلان أحدهما فارسي والثاني تركي، وزينت القلعة لاستقبالهم زينة تأخذ بالألباب، وأوقد فيها ألف شمعة أحالت ليلها نهاراً، وجلس الملك الناصر ومن حوله أمراءه في أبهى حلة، وأفخر لباس، ثم قام القاضي وخطب خطبة بليغة وجيزة وذكر آيات كثيرة في معنى الصلح، واتفاق كلمة المسلمين، ثم دعا للملك الناصر