كان رودان يرسم كثيراً مستعيناً بقلم الحبر أحياناً وبقلم الرصاص أحياناً أخرى. وكان في أول الأمر يرسم الخط الخارجي بالحبر ثم يضع الظلال بريشة. وتظهر مثل تلك الرسوم المائية كأنها أخذت عن نماذج بارزة أو منحوتة. وما كانت تلك الرسوم في جملتها إلا رؤى المثال وأخيلته. أما في العهد الأخير فكان يستعمل القلم الرصاص ليرسم الجسم العريان ثم يضع ألوان اللحم بالريشة. وهذه الأخيرة أبسط من الرسوم السابقة، والأوضاع فيها أقل تحديداً، ولكنها أكثر حركة وأوفى نشاطاً. فترى في بعض الحالات الجرة أو الخط قوياً عنيفاً كأن به جنة. ترى جسماً بأكمله وقد نظمته جرة واحدة من القلم الرصاص - ونم تلك الرسوم عن ذلك الجزع المقدس الذي يعتري الفنان حينما يخشى أن يفوته أو يفلت منه تعبير طارئ. أما ألوان اللحم فتوضع بسرعة وقوة وتتم في ثلاثة أو أربع لمسات، وأما التمثيل فينشأ عن جفاف بقع الألوان حيث تتخلف عند كل لمسة نقط عديدة لا يتسنى للريشة العجلى جمعها والتقاطها. وهذه الرسوم الأولية تمسك وتثبت الإشارات والإيماءات الخاطفة، وتسجل الحركات المتتابعة التي قلما تلمحها العين لأكثر من نصف ثانية. وهي لا تطلعك على الخطوط والألوان فحسب، بل تريك الحركة وتشعرك الحياة أيضاً. إنها أخيلة المصور أكثر منها أخيلة المثال.
وأخيراً توقف رودان عن إجراء التمثيل بالريشة وذلك لمداومته على استعمال القلم الرصاص، فهو يقتصر على مسح الخط الخارجي بإصبعه فينشأ عن ذلك لون فضي يغشي الأجسام كأنه الغلالة الرقيقة، ويضفي عليها جمالاً رائعاً يجعلها تبدو كأنها غمست في الشعر والخيال.
وتلك الدراسات الحديثة أجمل دراساته على ما أعتقد. فهي مضيئة، تزخر بالحياة وتفيض بالسحر.