وعندما كنت انظر مع رودان في بعض تلك التصاوير قلت له:(كم تختلف هذه عن تلك التصاوير الكاملة المنمقة التي تصادف هوى الجمهور؟) فقال:
(حقاً أنها التفاصيل والدقائق الميتة الخالية من التعبير، والحركة الزائفة المتكلفة هي التي تستهوي الجهال وتطربهم. فالعامة لا تستطيع أن تدرك كنه تعبير قوي لا يحفل بالدقائق والتفاصيل التي لا فائدة منها ويعنى بحقيقة المجموع كله. نعم لا تستطيع السوقة أن تدرك شيئاً من تلك الملاحظات الصادقة التي تنأى بنفسها عن الأوضاع المسرحية المفتعلة والتي تعنى بأحوال الحياة الحقيقية البسيطة ذات الأثر البالغ في النفس
إن من الصعب تصحيح الأغلاط الشائعة عن موضوع الرسم. فمن الخطأ البين أن يظن امرؤ أن الرسم جميل في حد ذاته. إنه ليس جميلاً إلا بما يعبر به عن الحقائق الصادقة وعن المشاعر العميقة. يعجب الجمهور بفنانين يملكون ناصية فنهم بلا مراء ولكنهم يزوقون وينمقون. خطوطاً إنشائية خالية من الدلالة، ويثبتون مرسوميهم في أوضاع متكلفة غير طبيعية، ولكنها تعد فنية لأنها تشبه أوضاع المثل الإيطالية الذين يعرضون أنفسهم على أبواب المراسم. وهذا ما يسمى غالباً بالرسم الجميل، وما هو في الحقيقة إلا (خفة يد) تعجب البلهاء الحمقى.
وفي الواقع يوجد رسم في الفن كما يوجد أسلوب في الأدب، أي أن الرسم في الفن هو بمثابة الأسلوب في الأدب. فالأسلوب المزوق الذي يترك أثراً في النفس أسلوب رديء. وأما الأسلوب الجيد الرصين فهو الذي يستخفي ويتوارى كيما يوجه القارئ كل اهتمامه إلى الموضوع الذي هو بصدده وإلى العاطفة المصورة.
فالفنان الذي يزوق رسومه والكاتب الذي يصبو لامتداح أسلوبه كلاهما كالجندي الذي يزين كسوته بالريش ولكنه يتهيب الذهاب إلى المعركة، أو كالفلاح الذي يشحذ ويجلو سكة المحراث بدلاً من أن يقوم ويفلح بها الأرض
قد لا يخطر ببالك أن تمتدح الرسم أو الأسلوب ذا الجمال الصادق لأنك تؤخذ بأهمية كل ما يعبران عنه، ومثل هذا يقال عن اللون أيضاً. وفي الواقع لا يوجد أسلوب جميل أو رسم جميل أو لون جميل، وإنما يوجد جمال واحد فقط هو جمال الحقيقة السافرة المتجلية. فعندما يتمخض عمل عظيم - أدبياً كان أو فنياً - عن حقيقة جلية، أو عن فكرة عميقة، أو عن