العجالة التي أسوقها اليوم إنما كتبت منذ عهد بعيد، وهي كما ترى أو كما سترى تحكي أغراض المستشرقين الدينية والسياسية، وتبين البواعث النفسية التي قام عليها تاريخ الاستشراق، وتعدد ألوان التخاذل العلمي والوجداني التي خضعت لها هذه الطائفة منذ نشأتها الأولى! ولقد كنت أريدها دراسة قوية مستفيضة موفقة تشرح ما تتوغر به صدور القوم من الحقد والموجدة، وتفضح ما ألم بالقلوب من النزوات البشعة والأهواء المريضة؛ وأذكر أني ما قرأت كلمة في هذا الصدد لكاتب من الكتاب إلا أعادني الحنين إلى تكملة ما شرعت فيه قديماً، واستئناف تبيان ما عميت أو تعامت عنه البصائر والأفهام
كان يعوقني عن ذلك أمران، هما الدعامة التي ترتكز عليها أسباب الكتابة والنشر، أولهما فقدان الصحيفة العربية الإسلامية الشرقية التي ترحب ببحوث كهذه التي نعتزم إذاعتها في الناس، والتي تشجع الكاتب الباحث على المضي فيما أخذ به نفسه من الدراسة الحرة الخالصة؛ وثانيها غموض الحجة وهلهلة المنطق والتواء التاريخ للظهور على المستشرقين والتغلب على مزاعمهم ودحض آرائهم واثبات خطئهم؛ فليس يكفي عندنا أن نتهمهم في إبهام، ونبغضهم لغير سبب، ثم نحمل عليهم ونرشقهم بقارص الكلام وعنيف السباب؛ إذن لتجنينا عليهم فظلمناهم ظلماً كبيراً، ولكانت دعوانا التي نتقدم بها عاثرة خاسرة!!
أما الصحيفة العربية الإسلامية فقد عثرنا عليها واهتدينا إليها، و (الرسالة) السمحة لن تضيق أبداً بما تعتقد أنه الحق، أو تتبرم بنفي ما غشى العرب والإسلام من ضعة الخطأ والعدوان، وهي المجلة الراقية التي تعتز بالكرامة وتعتصم بالنبل ثم تصل الماضي بالحاضر وتربط الشرق بالغرب على هدى وبصيرة؛ وأما الحجة والمنطق والتاريخ فقد توفرت لدينا وأسلست عناصرها لنا واتضحت في ذهننا، وإنا لنرجو أن نؤثر في الأسلوب والعرض جانب الحق والإنصاف والهدوء على جانب التحامل والملامة والغضب
وأحب قبل كل شيء أن أقول لعلامة الشام الأكبر ومؤرخها البارع الأستاذ محمد كرد علي إنه إذا قدر أن ينشر المستشرق برتزل كتابي المقنع والنقط نشراً حسناً ويضع لهما فهرساً