(إلى كل شاب تريده نفسه على الإثم، ويدفعه دينه إلى العفاف،
وتسهل له دنياه طريق الفجور، وتوعر عليه سبيل الزواج. .)
قال: لما كانت تلك الهدأة، وسمعنا صوت الشيخ الوقور الخاشع يطل علينا من فرجة الضجيج، كما يطل شعاع البدر من خلال السحاب الداكن في الليلة الداجية، تبيناه يدعو الله، لا كما يدعوه خطباء الجمعة على المنبر، ذلك الدعاء الرسمي الذي يستحضرون به هيبة الناس أن يمسكوا عليهم لحنه أو حبسه، وهيبة الحكام أن يبلغهم عنهم أنهم نسوا ذكرهم أو قصروا في تعظيمهم أكثر مما يستحضرون في نفوسهم هيبة الله، بل دعاء مسلم يعلم أنه يخاطب رب الأرباب، فلا يعلق أمله إلا به، ولا يرجو غيره ولا يرهب سواه. وأشهد أن الله فتح لدعائه أبواب السماء، وأنه قد استجاب له لأننا وجدنا اثر الإجابة في رقة قلوبنا، وما عهدناها ترق ولا تلين، وفي انصباب دموعنا برغمنا، وبكائنا على نفوسنا، وكان إذ يقول (يا الله) تحس أن قلبه قد خرج من صدره بهذه (الهاء) التي تمشي في الجو مبللة بدموع الخشية، فتنعش القلوب وتحييها. .
ثم قال الشيخ: لا تقولوا إنه مرقص، فما المرقص لمن يدعو الله خاشعاً صادقاً وهو يبكي على خطيئته إلا مسجد مبارك، وما المسجد لمن يدعو بلسانه وقلبه معلق بالشهوات وفكره باحث عن سبل الموبقات إلا ملهى، وما كان الله لينظر إلى صوركم وأزيائكم وهندسة عماراتكم، ولكن ينظر إلى قلوبكم. وكم في الأسواق والقهوات والسينمات من ولي لله كتب له بإخلاصه حسن الخاتمة! وكم في التكايا والزوايا من ولي للشيطان يرائي بالدين ليأكل الدنيا!
ثم تكلم عن الدنيا كلاماً عجيباً، وساق أحاديث لم أحفظها، وأخباراً من أخبار الصالحين، قلبت والله قلوبنا، والله مقلب القلوب، فعظمت في عيوننا ما كنا نحقره قبل ساعة واحدة، وحقرت ما كنا نبالغ في تعظيمه، وأرتنا هذه الدنيا صغيرة، حتى لكأنما هي حقاً جناح