ثم أخذ في الكلام عن (الشهوة الجنسية)، فحفظت من كلامه شيئاً من هنا وشيئاً من هناك، لا أستطيع أن آتى به على نسق، فأنا أقدم فيه وأؤخر، وربما أخللت بمعنى أو أخطأت في لفظ، فلا تأخذه هو بخلل أو خطأ مني!
وكان مما قال:
إن الله ركب هذه الشهوة في الإنسان، وجعل لها سراً عجباً من العجب، وسرها أنك وضعتها في موضعها، واتقيت الله فيها، سكنت واستقرت، وربحت مع السكينة والاستقرار الصحة في الدنيا والجنة في الآخرة، وإذا أنت أطلقتها ولم تقيدها بقيد الشرع والخلق، لم تزل هائشة هائجة كالنار كلما زدتها حطباً زادت للحطب طلباً، ثم إنك معها كالذي يطلب الماء من السراب لا يزال في عناء وظمأ، وكلما اشتد طلبه زاد عطشه ونصبه، والسراب عنه بعيد!
يرى الفاسق المرأة، فيملأ منها بصره، فيتبعها قلبه، فلا يزال يتخيل فيها المفاتن، ويتوهم في وصالها الملاذ، حتى يعتقد أن لذائذ الدنيا كلها ومسراتها قد اجتمعت في لقائها، وأن آلامها كلها في بعدها، ويجعلها مطلبه من دنياه، ويجن بها جنوناً. . . فإن هو استطاع الوصول إليها، وجد اللذة بها (نصف دقيقة) من الزمان. . . ووجد أنه لم يشبع منها، ولم ينل من وصالها ما كان يصور له وهمه. . . فيعود إلى التفكير فيها. . . وإلى تخيل اللذة بلقائها. . . ويتوهم أنه سيحظى هذه المرة بما فاته المرة الأولى. . . فإذا عاد إليها عادت إليه خيبة الأمل. . ولا يزال هذا دأبه معها حتى يملها وببأس من أن يجد عندها لذته الموهومة فيتعلق بسواها. . ولو أنه قارب ألف امرأة، ثم رأى واحدة أخرى، لعلقها وظن أن طلبته عندها. . فلا يشبع أبداً ولا يستريح!
وما هي لذة الوصال؟ إنها ليست في هذا التقارب الجسمي، كلا. . . إنما هي في انفصال القلوب. وإن عباس بن الأحنف هو عندي أدق شعراء الدنيا إحساساً بالمرأة، وأعظمهم بالحب معرفة، وأحسنهم لجوع العاطفة تصويراً حين يقول:
أعانقها والنفس بعد مشوقة ... إليها وهل بعد العناق تداني؟!
وألثم فاها كي تزول حرارتي ... فيشتد ما ألقي من الهيمان