للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[حديث الأزهار]

للكاتب الفرنسي ألفونس كار

نخاسة الأزهار

ما اجتزت سوق الأزهار مرة إلا شعرت بحزن شديد، كأنني أتجول في سوق النخاسة حيث تقوم المساومة على الأجساد وتلقى العبودية طابعها المروع على وجه الإنسان

يتمشى الأغنياء بين الأزاهر فيحدجونها بأنظارهم متفحصين أشكالها وصحتها وأعمارها. فإذا ما تمت الصفقة خرجت الزهرة المبيعة من سوق النخاسة لتتبع خطوات سيدها.

سيرى وراء من اشتراك أيتها الزهرة التعسة. اذهبي إليه لتخدمي شهواته، زيني قصره بجمالك فلسوف ينزلك ثمين الآنية ويحوطك بأطالس الأعشاب. سيكون مسكنك فخما، أيتها لزهرة، فودعي الشمس والهواء، ودعي الحرية فالعبودية فاتحة ذراعيها لتضمك إلى صدرها.

يا لشقاء هذه الأزهار! إنها تعرض أكواماً يلفحها الحر والقر فتذوي مهتوكة تحت نظرات الفاحشين من الناس

لقد مر البائع فارفعي رأسك أيتها الزهرة، ليراك منتصبة تملأك الفتوة نضارة، فأنت لنضارتك معروضة على المشترين إن أكثر الأزهار المعروضة في سوق النخاسة تحني رأسها وقد ارتخت قوائمها فتلاعبت فيها أضعف النسمات. لقد رسمت الأسفار البعيدة عليها آثار الضنى. وكتب الشقاء على تويجها آيات المذلة والاستعباد. وما تهتم هذه الزهرات بجمالها، وهي تعلم ما تحتم عليها من الخضوع لسيد مجهول يتحكم فيها.

لقد تسعد إحداها إذا اشترتها فتاة لتزين بها نافذتها فتجد الماء وتجد الهواء لتحيا وتطل عليها من وراء الأشجار أشعة الكوكب الذهبي يناجي فيها ابنته في كل صباح.

هنالك تسمع الزهرة تغريد أخيها الطير يمازجه نشيد الغادة بصوتها الحنون.

ما أسعد الزهرة التي تمر بها فتاة معلقة بذراع أمها فتحملها إلى غرفتها الطاهرة تجود بعطرها في الليل ممتزجا بأحلام العذراء أما أنت أيتها الأزهار التي ينثرك الأغنياء في قصورهم في ليلة عيد، فما أشد ويلك وما أظلم الأفق الذي تستقبلين. أملاي أجواء القصر بالعبير في ليلة واحدة لقاء اجر معين،

<<  <  ج:
ص:  >  >>