من نحن اليوم يا أماه؟ بل ما نحن اليوم عند الناس وعند أنفسنا؟ ما عنواننا الذي نحمله في الحياة ونعرف به؟
إننا لم نعد بعد أسرة، ولم يعد الناس حين يتحدثون عنا يقولون: هذه أسرة فلان؛ بل أصبحوا يقولون: هذا فلان وهذا أخوه، وهاتان أختاه!
اليوم فقط مات أبي؛ واليوم فقط أصبحنا شتيتاً منثوراً، وإني لأضم اليوم إلى صدري ابنكما وابنتيكما. أضمهم بشدة لأستوثق من الوحدة، وأشعرهم بالرعاية. ولكن هيهات هيهات. فأنا وهم بعدك أيتام يا أماه!
لقد شعرت اليوم فقط بثقل العبء، وعلمت أنني لم أكن أنهض به وحدي، وأنني كنت أرعاهم وأرعاك معهم، لأنني قوي بك. أما اليوم فالعبء فادح، والحمل ثقيل، وأنا وحدي ضعيف هزيل!
إن الشوط لطويل، وإني لوحدي في الطريق، وأخي وحده كذلك، وأختاي وحدهما أيضاً، وإن كنا نقطعه جميعاً!
والعش الذي خلفته ستظل فراخه زُغباً مهما امتد بها الزمن، لأن يدك الرفيقة لا تمسح ريشها وتباركه، وكفك الناعمة لا تدرب أجنحتها على التحليق، وروحك الحنون لا تكلؤها في أجواز الفضاء
نحن اليوم غرباء يا أماه
لقد كنا - وأنت معنا - نستشعر في القاهرة معنى الغربة في بعض اللحظات؛ وكنا نشبّه أنفسنا بالشجرة التي نقلت من تربتها، والتي ينبغي لها أن تكّثر من فروعها، لتتقي الاندثار في غربتها
أما نحن اليوم فغرباء في الحياة كلها. نحن الأفرع القليلة ذوى أصلها، بعد اغترابها من تربتها، وهيهات أن تثبت أغصان في التربة الغريبة. . . بلا أم!