انطوت ثلاثة أعوام كوامل على حادث اجتياح (بولندة) الذي اندلعت بسببه نيران هذه الحرب القائمة؛ وفي الواقع أن بلداً من البلدان لم يُمَن بمثل ما مُنيتْ به (بولندة) من عدوان جاراتها المتتابع عليها. . . ففي منتصف القرن الثامن عشر - وكان نظام الإقطاع إذ ذاك يفتك بعوامل الاستقرار والهدوء فيها - أحست الدول الطامعة في امتلاكها - لأول مرة - بسنوح الفرصة التي طال ارتقابها؛ فاقترح فردريك الأكبر ملك بروسيا على كل من النمسا وروسيا الاشتراكَ معه في اجتياح هذه البلاد. وتم ذلك في عام ١٧٧٢م، حيث اقتسم الجميع ثلث مساحتها، في حين وضعوا لسائرها استقلالاً اسميَّاً، وتركوا السلطة الحقيقية في يد معتمد روسي يقيم في (وارسو).
وبعد عشرين عاماً من هذا التاريخ، اتجهت أنظار أوربا جميعها إلى فرنسا وثورتها العارمة؛ واختلس الروس هذه الفرصة فاجتاحوا بقية بولندة واحتلوا عاصمتها عام ١٧٩٢م.
وقد لاذ الوطنيون البولنديون بأذيال الفرار، حيث تجمعوا بإقليم سكسونيا (في شمال بوهيميا)، وكونوا حزباً سياسياً قوياً برياسة كوشيسكو.
وكان هذا الأخير ممن تعلموا في فرنسا، وتغلغلت في نفوسهم روح الحرية منذ طفولتهم؛ وقد اشترك في حرب الاستقلال الأمريكي انتصاراً منه للروح الوطنية أنى وجدت. . . فكان في الواقع خير من يقود مثل هذه الحركة!
وقد بدأ بتأليف جيش قوي تربص به حتى اندلع لهيب الثورة في بولندة عام ١٧٩٤م، فدخل البلاد منتصراً، واحتل (وارسو)، حيث أنشأ حكومة وطنية حرة. . . وهنا استنجد الروس بالبروسيين، وتمكنوا متحدين من هزيمة الوطنيين واحتلال وارسو مرة أخرى عام ١٧٩٥م.
وقد وقع (كوشيسكو) يوم ذاك أسيراً، وجرت مذبحة رهيبة عند جسر مدينة براغة (شرقي وارسو) راح ضحيتها عدد وفير من الوطنيين البولنديين. . . واتفقت حينئذ كلمة روسيا وبروسيا والنمسا على محو بولندة نهائياً من مصور أوربا السياسي! فكانت تلك أشنع