وذات مساء آخر، وكان معنا صديق ثالث هو الأستاذ الجليل (صاحب الرسالة)، دار الحديث حول فنون شتى كان أولها فن الشعر. وابتدأ الحديث تعقيباً من الزيات ومنى على اسطوانات ثلاث نقلت إلى أسماعنا ثلاث قصائد سجلها عليها الشاعر بمصاحبة الموسيقى، سجلها بصوته بعد أن قامت بهذا التسجيل محطة لندن للإذاعة العربية وقلت له فيما قلت: إن تسجيل الشعر على اسطوانات شيء جميل، وأجمل منه توفيقك في اختيار هذه القصائد الثلاث، ولعلك قد سجلت أحب شعرك إليك ونسيت أن تسجل أحب شعرك إلى النقاد. . . إن ميزان الشاعر غير ميزان الناقد، ولهذا فكم أود أن استمع إلى اسطوانة جديدة تسجل عليها قصيدة هزتني وما زالت تهزني في ديوانك (زهر وخمر)، أتدري ما هي؟ وأجاب في إطرافه حالمة حاول فيها أن يتذكر: أتقصد (سارية الفجر)؟ فقلت في لهجة العاتب على غواص نسى درته اليتيمة: كلا، بل أقصد (راقصة الحانة)! ومرت بعد ذلك أيام. . . وجاء يوم جمعتنا فيه عربة الأستاذ صاحب (الرسالة) وكنا في طريقنا إلى أحد الأماكن في شارع الهرم وحين اقتربت السيارة من ملهى (الأيرزونا) أحسست يداً تقبض على ذراعي ورأيت إصبعاً يشير إلى هناك، وأعقب ذلك صوت الشاعر موجهاً إلى الحديث: هنا يا صديقي شهدت مولد الرقصة التي فتنتني، وهنا سجلت مولد القصيدة التي فتنتك:(راقصة الحانة)!. ونبدأ اليوم بتقديم سلسلة الصور الحسية، وإليك هذه الصورة الأولى من الصفحة الخامسة والأربعين من (زهر وخمر).