ثار أخيراً في مجتمعنا الأدبي حوار طريف، بين الكاتب الفكه الأستاذ فكري أباظه وبين بعض آنساتنا المثقفات؛ فالأستاذ ينعى على أولئك الآنسات المثقفات أنهن برغم ثقافتهن الواسعة الفرنسية والأدب الفرنسي، لم يتزودن بأي قسط من العربية والأدب العربي، وأنهن يكدن يعجزن عن أن يعربن عن آرائهن بالعربية، وأنهن يبالغن في الانصراف إلى الفرنسية وإلى الكتابة بها. وقد حاولت إحدى الآنسات اللائي يوجه اليهن هذا اللوم، وهي من أعضاء الاتحاد النسائي المصري أن تدافع عن موقفهن، فضربت مثلاً بإحدى زميلاتها وقالت إنها تعلمت في باريس، ولم تعرف مصر إلا فتاة ناضجة فلا جناح عليها إذن، والتبعة في ذلك - إن كان ثمة تبعة - تقع على أسرتها، ثم قالت: إن أولئك الآنسات يكتبن بالفرنسية لكي يسمعن صوت المرأة المصرية إلى الخارج، وأن العربية لا تقرأ في باريس ولا لندن ولا برلين
ونحن نؤيد الأستاذ فكري أباظه في ملاحظته كل التأييد فأولئك الآنسات اللائي يعتصمن بالثقافة الأجنبية يذهبن في هذا الاعتصام إلى حد الإغراق، وإلى حد الانفصال عن البيئة المصرية والمجتمع المصري؛ وفي رأينا أن مثل هذه الثقافة الأجنبية تفقد كثيراً من قيمتها لأنها لم تقرن بقسط من الثقافة العربية السليمة؛ ولسنا ندري ما المانع في أن تمثل الثقافتان معاً، وذلك أن من المحزن أن نرى أولئك الآنسات يكدن يعجزن عن الإفصاح عن أفكارهن بالعربية العادية فضلا عن الكتابة بها، وليس صحيحاً أن قضية المرأة المصرية تخدم فقط عن طريق الكتابة بالفرنسية، لأن الفرنسية تقرأ في برلين ولندن، فالمرأة المصرية بحاجة إلى التحدث إلى أبناء جنسها أولا وقبل كل شيء، وقضية المرأة المصرية (إن كان ثمة لها قضية) يجب أن تبث في مصر أولا وباللغة العربية قبل كل شيء؛ ولسنا نعرف في الواقع مثلا لهذا النوع الغريب من الثقافة في أي بلد متمدين؛ ففي الغرب لا يمكن أن يحول أي عذر دون تذوق الثقافة القومية، وإذا نهل الراغبون من أية ثقافة أجنبية، فهي دائما إضافة فقط إلى جانب الثقافة القومية؛ ولم نسمع بأن مستشرقا ممن يفنون أعمارهم في دراسة اللغات والآداب الشرقية قد أعجزه تعلم العربية أو الفارسية عن الكتابة بلغته الأصلية؛