كذلك يجب ألا يغيب عن ذهن أولئك الآنسات أن هذا الاعتصام المحزن بثقافة أجنبية يجعلهن في شبه عزلة من المجتمع المصري الصحيح، ويحرم القضية التي يدافعن عنها من كثير من العطف القومي وهو ألزم لها من أي عطف أجنبي، وأن تلك الصلة الروحية التي أنشأتها الطبيعية بين المرء ولغته الأصلية وماضي أمته وتراثها العقلي وهو خير دعامة في صرح الوطنية الصحيحة والعزة القومية الأثيلة
تاريخ الأديب
كتب الكاتب الفرنسي الكبير بيير بنوا عضو الأكاديمية الفرنسية كلمة يصور فيها تاريخ (الأديب). وفي رأيه أن الأديب لم ينشأ محترفاً بطبيعته، ولكنه قطع زهاء عشرين قرنا قبل أن ينتهي إلى هذه النتيجة؛ فمنذ العصور القديمة، أعني منذ فرجيل وهوراس، وفي خلال العصور الوسطى والعصر الحديث نجد الأديب (هاويا) ينساق إلى ميدان الأدب بفطرته وذوقه، وتحقيقاً لهواه وشغفه؛ وقلنا نجد أدبياً أو مفكراً يعمل ليعيش من قلمه؛ بل كان كل هنالك من كتاب وشعراء ومؤرخين يعيشون في كنف الأمراء والكبراء ويلوذون جميعاً برعاية ملك أو عظيم من العظماء، يتخذون مكانهم في بطانته، ويعلمون له كمستشارين أو مدبرين، وإلا عاشوا على مديحه وملقه، أو يتخذهم معلمين لأولاده، أو بوقاً لوحيه؛ وقلما نجد كتاباً كتب في هذه العصور إلا وقد صدر بإهداء وتحية رقيقة لملك أو عظيم، وليس معنى ذلك أن الأديب لم يكن يكسب من قلمه، فقد كان ثمة أدباء يكسبون من ثمرات قرائحهم وأقلامهم، ولكنه كسب ضئيل جدا، لم يكن ليصلح لهم قوتاً أو حياة، ولنذكر على سبيل التمثيل أن راسين قد باع مخطوطة (أندروماك) بما يساوي ألفا ومائتي فرنك. ويستخلص مسيو بيير بنوا من ذلك أن الأديب المحترف لم يخلق مختارا في المجتمع، ولكنه بدأ (هاوياً)، لا تمنعه عبقريته من يكون من ذوي الهوى والشغف، وهذا الهوى ما زال يؤثر أكبر تأثير في تكوينه وفي مصايره
نقول، وهذه الصورة التي يقدمها بيير بنوا عن تاريخ الأديب في بلاد الغرب، ليست بعيدة عن الصورة التي يمكن أن نقدمها عن تاريخ الأديب المشرق؛ فقد نشأ الأديب فيه أيضاً هاوياً يعيش في كنف الأمراء والعظماء، ولم يتقدم في سبيل الكسب إلا بعد عصور؛ بيد أن الكسب الأدبي لم يكن أساسياً في عبقريته أو إنتاجه، ولم يكن قوام عيشه وحياته