للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[بمناسبة المولد النبوي:]

نشأة البديعيات في مدح الرسول

للأستاذ حامد حفني داود الجرجاوي

لم ينعم نبي في أمته بمثل ما نعم به صلى الله عليه وسلم. ولم ينل نبي من الرضا عنه والثناء ما ناله النبي الأعظم من الثناء والإجلال، وليس ذلك بعجيب أو مستعظم بعد أن سجل الله له ذلك في محكم كتابه (وإنك لعلي خلق عظيم).

ومدائح النبي الأعظم لا يحصيها عُد ولا يشتملها كتاب فرد كائناً ما كان: وقد حاول العلامة الشيخ يوسف النبهاني أن يحصيها في كتابه (المدائح النبوية) - فجر - مشكوراً - عن إدراك غايته.

ولو تتبعنا فن (مديح الرسول الأعظم) منذ صدر الإسلام إلى يومنا هذا لوجدناه نوعين: مديح تقيد فيه ناظموه ببحر معين وقافية خاصة ونمط مصطلح عليه. وقد سمى النوع الأول (البديعيات) أما النوع الثاني فهو من (المدائح النبوية) العامة.

ولو تتبعنا تاريخ (البديعيات) لوجدناها كلها نوعاً واحداً. التزم فيها ناظموها بحر (البسيط) وقافية (الميم) واشترطوا في كل بيت من أبياتها محسناً من المحسنات البديعية المعروفة على عهدهم، وقصدوا بذلك تطريز هذا الصنف من المدائح بجميع الصور البلاغية.

ولعل أول بديعية استكملت هذه الشروط كلها (بديعية صفي الدين الحلي) المتوفى عام ٧٥٠هـ. وقد استهلها بقوله:

إن جئت سلعا فسل عن جيرة العلم ... وافر السلام على عرب بذي سلم

فقد ضمنت وجود الدمع من عدم ... لهم ولم أستطع من ذاك منع دمى

وهي بديعية طويلة تقع في مائة وخمسة وأربعين بيتاً.

ومن ثم جرى الشعراء على منواله منذ القرن الثامن وهم لا يزالون كذلك إلى اليوم الذي أنشأ فيه أمير الشعراء أحمد شوقي بك (بديعية نهج البردة) التي أولها:

ريم على القاع بين البان والعم ... أحل سفك دمى في الأشهر الحرم

فكل ما قيل في مدح الرسول - منذ القرن الثامن إلى اليوم - من قصائد منظومة في هذا البحر والقافية، يسمى (البديعيات) وواحدتها (بديعية). ولعلهم لم يختاروا لها هذا الاسم إلا

<<  <  ج:
ص:  >  >>