للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

لاستخدام المحسنات البديعية في كل بيت من أبياتها.

فكيف نشأت البديعيات في تاريخ الأدب؟ الحق أن صفي الدين الحلي لم يكن أمة وحده في اختراع (البديعيات) وإن كان له فضل اختراع النسمية واشترط قافية الميم واصطناع البديع فيها.

ولو أنك استعرضت معي المدائح النبوية كلها لرأيت الجذور الأولى للبديعيات واضحة في جميع المدائح النبوية القديمة التي نظمها أصحابها من بحر البسيط.

ولعل (قصيدة كعب بن زهير) المتوفى عام ٢٦هـ هي أول قصيدة كلاسيكية من هذا النوع أنشدها صاحبها وبين يدي الرسول الأعظم.

بانت سعاد فقلبي اليوم متبول ... متيم إثرها لم يجز مكبول

وما سعاد غداة البين إذ برزت ... إلا أغن غضيض الطرف مكحول

وفي القرن الخامس نظم العارف بالله عبد الرحيم بن أحمد البرعي اليمني المتوفى عام ٤٨٠هـ قصيدة من هذا النوع أولها:

خل الغرام لصب دمعه دمه ... حيران توجده الذكرى وتعدمه

وامنح له بعلاقات علقن به ... لو اطلعت عليه كنت ترحمه

واختتمها بقوله مصلياً:

عليك منى صلاة أكملها ... يا ما جداً عمت الدارين أنعمه

تبدي عبيراً ومسكا صوب عارضها ... ويبدأ الذكر ذاكرها ويختمه

ما رنح الريح أغصان الأراك وما ... حامت على أبرق الحنان حومه

وينثني فيعم الآل جانبه ... بكل عارض فضل فاض مسجمه

وفي القرن السادس نظم جمال الدين بن يحيى الصرصري المتوفى ٦٥٦هـ قصيدته، ولو تأملتها لوجدتها عين ما قاله البرعي بحراً وقافية وروبا وافتتاحاً واختتاماً. وقد أثبت المنهج العلمي بعد البحث والاستقراء أنه عارضه بها، حيث افتتحها بما اختتم به البرعي قصيدته:

أغرب المحب بذات الستر لومه ... فبان سر غرام كان يكتمه

أني يلام على التذكار ذو شغف ... متيم بسهام القلب مغرمه

واختتمها بما اختتم بها البرعي قصيدته:

<<  <  ج:
ص:  >  >>