أما أولهما وهو علم الدولة، فهو الجزء الثاني من تلك الموسوعة الكبيرة التي اضطلع بتأليفها وإهدائها إلى لغة الضاد الأستاذ أحمد وفيق؛ ولعل القراء يذكرون أني حين قدمت إليهم الجزء الأول منها أشرت إلى خطر هذا المؤلف الجليل لمصر والعالم الشرقي، ولا سيما في هذا العصر الذي تشغل السياسة فيه عقول بني الشرق في توثبهم وتطلعهم إلى الحرية
ومما نغتبط له بحق، وقد طال افتقارنا في نهضتنا العلمية إلى هذه الناحية من نواحي المعرفة، أن الأستاذ قد جرى في هذا المؤلف على طريقة البسط والعرض تعقبهما المناقشة والتحليل؛ فهو يستوعب هذا العلم ويلم بأطرافه، لا يغادر شيئاً مما قيل فيه، فضلاً عن أنه يسير في سرده مع التاريخ فينقلك من عصر إلى عصر ويريك مبلغ ما طرأ على نظريات هذا العلم من تطور حسبما مرت فيه من عصور. وهو إلى جانب هذا يقف عند كل نظرية مبنياً لك ما دار حولها من المناقشات ومقدار ما لاقت من تأييد أو تفنيد
أقول إن هذه الطريقة التي سار عليها الأستاذ المؤلف هي ميزة الكتاب الأساسية، وإن كان في القراء سواي من قد يعيبها، إذ يستحضر في ذهنه تلك الكتب التي وضعت في هذا العلم في غير لغتنا وكان قوامها التخصص والاستقصاء والتعمق، فالعالم هناك يتناول ناحية خاصة من جزيئات العلم ويعرضها في تحليل ودقة وتقصّ، مما يفتق الذهن ويرهفه ويلذه، ولكننا الآن أو على الأقل كثرتنا، لم تتعد بعد مرحلة الإلمام والاستيعاب. وخير ما يعمله المؤلف في هذه الحالة أن يعرفك إلى العلم، حتى إذا تم لك ذلك أمكنك أن تتابع فيه من يتفلسف ويتقصى
وقف الجزء الأول من هذا الكتاب عن عهد الإصلاح، فابتدأ به الجزء الثاني الذي أحدثك عنه، واختتم بالثورة الفرنسية، وهي فترة لذيذة ممتعة بما تخللها من مواقف وحوادث كان