للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[٣ - المستقبل وأسرار الوجود]

للأديب عبد الجليل سيد حسن

(تتمة)

نحن والمستقبل:

قلنا إن الوجود مستقبل نسج وهو الماضي، ومستقبل ينسج وهو الحاضر، ومستقبل سينسج وهو (المستقبل) ونريد الآن أن ننظر في هذا التيار المتصل من الوجود: (١) هل هو منفصل بعضه عن بعض، بمعنى أن الذي سبق منه لا تأثير له فيما يليه؟ (٢) وإلى أي حد يتأثر وجودنا وتتلون نظرتنا للحياة بمقدار هذه الأوجه الثلاثة للوجود!

أولا: مشكلة تأثير السابق في اللاحق تشمل الحديث عن -: السبب والمسبب. وعن: تأثير الماضي في الحاضر. أما عن الأمر الأول فقد تحدثنا عنه. وأما عن الأمر الثاني: فنحن نعرف أن تكويننا الجسمي والعقلي لم يتكون ولم ينم إلا في الماضي - أو المستقبل الذي نسج - بمعنى أن الماضي يدخل في بناء شخصيتنا، أو أن شخصيتنا بناء على تجارب الماضي قد صيغت. وهذه الشخصية هي التي تملي علينا اتجاهاتنا الحاضرة، وهي التي تلزمنا أن نتجه هذا الاتجاه دون سواه، ونتخذ هذه الخطة ونرفض تلك، ونختار ما يلائم شخصيتنا ويناسب مزاجنا الذي خلقته التجارب الماضية. فالماضي غير منقطع الصلة بالحاضر، وهو لا يؤثر فيه فقط، بل هو الذي يصوغه ويشكله ويوجهه. ويعين الماضي على ذلك، اللاشعور بأنواعه، من اللاشعور الجنسي أو الجمعي الذي هو عبارة عن خصائص الجماعة الإنسانية ومميزات الجنس البشري ومجموعة التجارب والخبرات التي اكتسبها أسلافنا والتي ورثناها عن أجدادنا الأولين، فهناك صفات عامة يشترك فيها النوع الإنساني، كالاستعداد للتثقيف والتعليم والتهذيب، تنتقل من جيل إلى جيل - وكل جيل يضيف إليها قليلا من التطور - كامنة في أعماق اللاشعور. وليس هذا تأثير الماضي القريب في الحاضر، بل تأثير الماضي السحيق الذي يعد بآلاف السنين في هذا الحاضر. وهناك اللاشعور الفردي الذي يختص بفرد دون آخر، ويلون حياته بلون خاص. وأيضا فالذاكرة هي التي تجعلنا واعين لتجارب الماضي، مستفيدين منها في الحاضر. وهذا إجمال

<<  <  ج:
ص:  >  >>