للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

لهذا الموضوع يحتاج إلى تفصيل كبير، فالماضي مستقبل نسج وعلى غراره ينسج الحاضر

أما تأثرنا أفرادا وجماعات بأوجه الوجود الثلاثة، فهناك أمر من الوضوح بمكان كبير. فالمشاهد أن كل الناس يسيطر على تفكيرهم شيء معين فيوجههم وجهات مخصوصة، ويجعلهم ينتحون نواحي خاصة. فبعض الناس يغلب على طبعهم حب المغامرة والمخاطرة، فترى حياتهم مصبوغة بهذه الصيغة؛ وبعضهم يميلون إلى الحذر والانكماش على أنفسهم. فتصطبغ حياتهم بلون من الكسل والجمود والجبن. والسبب الذي فرق بين اتجاهات الناس وجعلهم يسلكون ما يسلكون هو انطباع شخصياتهم بطابع من أوجه الزمن الثلاثة، فنجد بعض الناس يحنون دائما إلى الماضي ويعيشون عليه، وبعضهم لا يهتم إلا بالحاضر ولا ينظر إلى ما دونه. وبعضهم ينظر إلى المستقبل ويرى سعادته في طيا ته. وعلى هذا الأساس يمكن تقسيم الناس إلى ثلاثة أنماط مختلفة، لكل منها خصائصه ومميزاته. وهذا تخطيط أولى لهذه الأنماط:

١ - منطوون:

وهم الذين يوجهون اهتمامهم وانتباههم نحو الماضي، يرقعون مهلهله، ويزخرفون سيئه، ويبالغون في حسناته، ويكبرون من أمره، ويلهجون بذكره، مقرونا بالثناء والإجلال. مطابعهم الحسرة على ما فات، وإفراده وحده بالتعظيم، والانتقاص من الحاضر ورميه بالقصور والضعف (قلة الخير) أما الخير كل الخير والبركة كل البركة. ففي أيام (زمان) أيام العز والبلهنية، أيام كانت الدنيا دنيا والناس ناسا. وهذا الطابع هو طابع الشرق الذي لا تجيده إلا قيثارته؛ وسبب هذا الاتجاه الذي تمثله الحركات الرجعية والنظم المحافظة - ونحن نعلم ما لهذه النظم من خطر في شئون الحياة السياسية والدينية والفكرة - أمور منها:

أ - حب الحياة الذي يدفع بالناس إلى الكسل والجمود، ينأى بهم عن المخاطرة والمجازفة؛ والطبيعة التي تجعل الناس يتشبثون بالحياة على أية صورة كانت من عذاب مهين وبؤس مرير، فالناس لا يحبون أن يتخلصوا من الحياة بسهولة، حتى ولو كانت مملوءة بالذل، فهذا الحب للحياة على أية صورة، هو الذي يدفع بالناس إلى مقت التغيير خوفا على حياتهم الراهنة، وهذا يؤدي إلى الحنين إلى الماضي.

<<  <  ج:
ص:  >  >>