كنت اقرأ في مجلة الثقافة الغراء فصولا مختلفة في قواعد النقد الأدبي ومذاهبه للأستاذ عز الدين إسماعيل، فألمح أضواء التوفيق فيما أطالع، وأتصور أن الكاتب سيخطو بالنقد الأدبي خطوة موفقة حين ينتقل من القواعد المذهبية إلى التطبيق، ولكني شعرت بمرارة لاذعة حين قرأت ما كتبه بالعدد الأخير من مجلة الثقافة خاصا بنقد كتاب العدالة الاجتماعية في الإسلام، فقد، قضى على كل أمل كنت أرجوه منه.
وكتاب العدالة الاجتماعية في الإسلام كتاب مرموق في المكتبة العربية وقد ظهر منذ سنوات، كما تعددت طبعاته المرة بعد المرة، فمن يحاول أن ينقده اليوم فلا بد أن يقدم للقارئ مآخذ هامة ظهرت لديه بعد القراءة الطويلة، والتمحيص الدقيق، وكنت أنتظر ذلك من الناقد الفاضل ولكن الريح قد أتت بما لا يشتهي الملاح.
بدأ الأستاذ نقده الثائر بقواه (ويجدر بي قبل أن أطيف بالقارئ في أرجاء هذا الكتاب أن أنبهه إلى خدعة كبارة، وهالة باطلة نسجها الإمحال في وقت من الأوقات عن شخصية المؤلف، فأخذ مكانه بين الرعيل الثاني من المفكرين في مصر الحديثة، وإن أظهر ما تتسم به مؤلفات الأستاذ سيد قطب هو الضحالة والصحافية، وصياغة أفكار الآخرين من جديد).
فالناقد الفاضل يعلن صراحة أن كتاب العدالة قد شق طريقه إلى الرواج لظهوره في وقت ممحل جديب، توقف فيه التيار الأدبي عن سيره المتواصل، وهذا قول باطل، إذ أن السنوات الأخيرة قد قذفت إلى المطبعة عشرات الكتب الإسلامية والأدبية لعشرات من أفاضل المؤلفين، ولم ينفرد كتاب العدالة بالظهور، ليقال إنه لقي ما لا يستأهله من الرواج والذيوع، كما يحدد الناقد الفاضل مكانة الأستاذ قطب فيضعه في الرعيل الثاني من المفكرين في مصر الحديثة، وقد كان الأستاذ قطب من الرعيل الثاني فعلا قبل أن يبدأ سيله الزاخر في السنوات الأخيرة بكتاب العدالة وما تبعه من المؤلفات، أما الآن فلا ينكر عليه منصف مكانه المنفوس في الرعيل الأول من الكتاب. وليس هذا بكثير على كاتب مجاهد دفع عن زملائه معرة الجبن والخمول، فمهد للثورة الأخيرة بقلمه، واندفع سنوات متلاحقة