يحارب الفساد في الصحف الحرة النزيهة كالدعوة واللواء والرسالة والاشتراكية وروز اليوسف، حتى ليجوز أن نشبه موقفه من النهضة الأخيرة بموقف فولتير من الثورة الفرنسية. ولكن الأستاذ عز الدين يقسم الأدباء إلى درجات متفاوتة ثم يعز من يشاء ويذل من يشاء دون عدالة وإنصاف.
وهذه السرعة الحميدة الخصيبة في الإنتاج كانت سيئة شنيعة لدى الناقد الغيور، فجعلته يحكم على إنتاج قطب بالضحالة والصحافية، ثم يزيد فيزعم أنه يسرق أفكار الآخرين. وإذا أعوزه الدليل على ذلك، تعدى كتاب العدالة الذي أرهق نفسه في نقده، واندفع يقول:
وإن شئت فارجع إلى كتابه (النقد الأدبي أصوله ومناهجه) وهنا تستطيع أن تدرك تماما أن الكاتب أعاد أفكار أبركرمي وتشارلتن، ولا نسون التي سبق أن ترجمت إلى العربية فإذا بحثت عن جديد يختص به المؤلف أعياك البحث دون جدوى.
والكتابان اللذان خدعنا بهما للمؤلف، وخيل إلينا أن فيهما من الأصالة ما ينفي عنه تلك الصفة، وهما التصوير الفني للقرآن، ومشاهد القيامة في القرآن، هذان الكتابان، بكل أسف ليس فيهما من أصالة الفكرة شيء؛ فقد تلقف الأستاذ سيد قطب أصل الفكرة من الأستاذ العقاد وراح يضخمها حتى ظفر من هذه الضخامة بقدر يملأ كتابا)!!
ونحن ننقل هذا الكلام لنسجل على الناقد غفلته، فكتاب النقد الأدبي لا يعيبه إطلاقا_على فرض التسليم بما ذكره الناقد - أن يفيض بآراء أبركرمي وتشارلتن ولانسون، إذ أن الناقد المعاصر لا بد أن يحيط بالثقافة الغربية في موضوعه، وإذا ظهر في النقد الأدبي كتاب يخلو من الإشارة إليها في صفحاته فقد سقطت قيمته الأدبية دون نزاع، والناقد الجريء يتعمد أن يغفل في كلامه حقيقة هامة، فالأستاذ قطب لم ينقل آراء هؤلاء النقاد إلا ليطبق عليها الآثار العربية من شعر ونثر، وقد فاض كتابه الجليل بالموازنة والتحليل، وهنا تتجلى ميزة قطب الأصيلة فهو باحث تطبيقي يزن الأثر الفني بميزانه الدقيق، وليس كمن يحشد لنا القواعد المذهبية في النقد الغربي من كل مكان، فإذا أراد تطبيقها على الأدب العربي اضطرب مقياسه، واختلج ميزانه، وغمره التلجلج والبهر والارتباك!!
وقد ادعى الأستاذ عز الدين أن كتابي التصوير الفني في القرآن، ومشاهد القيامة مأخوذان من الأستاذ العقاد، ولماذا؟ وأين الدليل؟ لأن العقاد قد كتب مقالة تشير إلى فكرتهما