قرأت في العدد (٩٩٢) من مجلة الرسالة الغراء مقالا للأستاذ عبد القادر رشيد الناصري بنفس العنوان الذي أكتب به مقالي.
كان عنوانا أثار الرغبة الجارفة في حتى لم أستطع أن أبدا بمطالعة المجلة من أولها، وإنما استعجلت الأمر وقلبت صفحاتها إلى أن وقفت على المقال المذكور، وطفقت أقرأها بلهفة. وكيف لا؛ وأنا الآن أمام عقدين لؤلؤيين سأمتع ناظري ببهجتهما، ومنهلين عذبين سأغذي روحي بسلسالهما الخصب.
كنت أنساب مع أفكاري في القصيدة دون ما شعور خارجي وكأن جميع أوصالي انقلبت مشاعر، وحلقت طائرة في جو فسيح من المتعة والنشوة حتى انتهيت منها فجأة وامتد بصري إلى ما بعدها لأنها من غدير الثانية ما يطفئ أوامي بعذوبتها، ولكن كلمة (العدد القادم) صدمتني وتمنيت أن لو نشرت القصيدتان معا حتى لا ينقطع عليّ حبل هذه اللذة الروحانية، وكان عزائي أن موعد العدد القادم قريب.
وتلقفت العدد التالي (٩٩٣) بنهم وملت على الشوقية الثانية لأسبغ على نفسي من رونقها غلالة سحرية تجعلني.
ولم تكن التوطئة التي قدم بها الأستاذ الناصري لمقاله لتزيدني إعجاباً بأمير الشعراء، فلقد ملك عليّ كل عواطف الإعجاب منذ أمد طويل، ولا عجب فهو يضطر كل مكابر إلى الاعتراف بعظمته ومكانته في ذروة الأدب.
وإنني لأذكر تماما أنني كنت من المكابرين الذين يأبون أن يعترفوا بأن (شوقي) هو حامل لواء الشعر منذ أكثر من عشرة قرون، وكنت أفضل عليه المرحوم (حافظ إبراهيم) شاعر النيل؛ ذلك لأنني قرأت ديوان (حافظ) وأعجبت به وأحتل في قلبي مكانة سامية قبل أن أطلع على بحر (شوقي) الزاخر وأمواجه المتلاطمة في حال الانفعال والقوة، أو حين تتلاعب النسمات الرقراقة. وإنما كنت قد اجتزأت ببعض النتف من شعره، وعلمتني هذه التجربة ألا أطلق الحكم اعتباطا قبل الدرس والتدقيق.
ولأعد إلى الحديث عن الشوقيتين اللتين أزفهما الآن إلى إخواني قراء الرسالة الغراء نزولا