عند رغبة الأستاذ الناصري، ولأنني أعلم أن النفوس صادية إلى السلسبيل القراح:
الفرق بين الشوقيتين اللتين نشرهما الأستاذ الناصري، وهذه التي أنشرها الآن على صفحات (الرسالة) الزهراء هو أن الأوليين ترف طيور البشر في سمائهما، وترن ألحان السرور في جوهما، لأنهما قيلتا في مهرجانين شارك أمير الشعراء القائمين عليهما في التفاعل مع تموجات الأعراس والانطباع بقالب الفرح، وهذه إنما هي موجات من الأسى تجتاح النفوس، وأنغام بائسة مصطدمة بقوة الأقدار لأنها قيلت في رثاء (الخديوي توفيق).
لا عجب إذا انتحى أمير الشعر زاوية الحكمة في عبقريته ليغرف منها ما عركته به تجارب الحياة ويلبسه برد الوعظ ويبرزه للملأ الغافل الغارق في غفلته القاتلة حتى يوقظ النفوس النائمة من سباتها، ويجعلها تنتفض أمام هذا التذكار الذي يهزها هزا: الموت: القضاء: الحساب: كلها بيد الله. الكون ما أحقره أيها الغافلون: وبئست الحياة فيه.
بئست الدار دارنا بكت المولود من قبل علة للبكاء
حسنت نارها وساء قراها ... هل رأيت المجوس في الظلماء
بينما القوم موقدوها صباحا ... إذ تراهم وقودها في المساء)
حديث يطول! ولكنني أكتفي بما قلت لأقدم إلى إخواني القراء هذه المرثية التي حرم منها ديوان أميرنا لعل بها ما يرجونه. وسأقدم لهم في العدد القادم شوقية أخرى خلا منها الديوان. . إن شاء الله! وهذه هي القصيدة.
رثاء الخديوي توفيق
بين ماضي الأسى وآتي الهناء ... قام عذر النعاة والبشراء
نبأ معذر نفي بعضه بع ... ضا فكان السفيه في الأنباء
سر من حيث شاء كل مصاف ... ساء من حيث سر كل مراء
ما نظرنا محمداً في فتاه ... إن غفرنا الضراء للسراء
هابنا الدهر فيه حيا وميتا ... فأتانا من دائنا بالدواء
وعزاء البلاد أن يخلد الم ... لك ويحيى الآباء في الأبناء
لهف نفسي على نظام نعيم ... حله الدهر باليد العسراء
كل شيء إلى شتات ويبقى ... في التئام جماعة الجوزاء