لكل أمة مواسمها وأعيادها، وللمسلمين في رمضان موسم حافل جليل، فأما حفوله فيرجع إلى أن له طابعاً يمتاز به على سائر الشهور، فله مطاعم خاصة ومشارب خاصة لا تلذها الأعين في غير أيامه، ولا تشتهيها الأنفس إلا في صيامه، وهو يعد موسم التجارة ونفاق الأسواق، وزيادة الكسب، وتضاعف المرابح، فكم من تجارة معطلة أو بضاعة مزجاة تجد في غضونه موسمها الرائج، وعصرها الذهبي، وكم من صناعة يحييها رمضان من العدم، وتبقى ما بقيت أيامه، فإذا مضى انقضت بانقضائه، وأمست في قرارة النفس منها ذكرى
فهو ولا غرو شهر تحي فيه النفوس وتستمتع به القلوب والعيون، وإذا كان رجل التقوى والورع يجد فيه متاع نفسه ولذتها، فرجل الفن ولا ريب واجد فيه طلبة روحه وبغيتها، فللحكمة فيه بلاغ، وللتذكرة مساغ، وللفكاهة تطريب، وللعلم ترغيب. وإذا كان المسلم يجد في رمضان متاعاً من جهة الدين والتقى، فغير المسلم واجد متاعه من جهة الفن والملهى وكم شهدنا صدقاناً لنا على غير الإسلام يطوون هذا الشهر المبارك صائمين نهارهم فإذا جنهم الليل عمدوا إلى فطور المسلمين متلذين فرحين، ولقد كان بعضهم يرى في الإمساك عن الطعام مشاطرة لإخوانه المسلمين، وحفاظاً على تقاليد البلد الإسلامي، وتأدباً دون المجاهرة بالإفطار، فرمضان من هذه الناحية قاس على المفطرين، فما يُرى المرء مفطراً يطعم الطعام جهاراً نهاراً إلا أحس منه خروجاً على العرف ومخالفة مشنوعة للتقاليد، قد تتاخم في بعض الحين جريمة الاعتداء على المال أو العرض! ولقد كانت الدولات الإسلامية في ذرورها تعاقب المفطرين من غير عذر، بإقامة الحدود عليهم، هكذا يكون عقاب المستهترين بدين الله وشعائر الدولة والخارجين على نظام الحكومة وتقاليدها، ردعاً لهم وقمعاً لشهوات الناس المطوّحة بهم في سبل من المنكر لا ترضى
وإذا كان قد رفع الحد عن المفطر لما تخاذلت الدولات الإسلامية، وتداخل العنصر غير العربي في إدارة الشئون، فلقد بقى على الأيام الحد الأدبي، فما أفطر بغير عذر إلا طريد مجتمع أو أضحوكة في المجالس
وأما الآخرون من غير المسلمين فيصومون رمضان لا ورعاً ولا تقى، ولكن يصومونه