صوماً فنياً بمعنى أنهم لا يشعرون بالأحاسيس الوجدانية والنفحات اللدنية التي يستحسها الصائمون القائمون من المسلمين. وإنما يرون فيه حمية قامعة لا تحتاج إلى استشارة الطبيب، وهم إذا يرون ألوان المطعوم والمشروب يتشهون ما تقع عليه العيون، ويتحلب منهم اللعاب ثم يقبلون على الشراء وإذا هم يذكرون أنهم مأخوذون من تلقاء أنفسهم بالحمية والامتناع من مزاولة الطعام والشراب، فيمضون في الحمية إلى غاية النهار، يروضون النفس على قوة الإرادة. وتلك هي (فنية) الصوم عند الصائمين المشاطرين من غير المسلمين
على أن للصوم حكمة تسمو على (الفن) يستشعرها الصائم صوماً حقيقياً لا أثر فيه للرياء ولا للمكابرة، وتلك هي المقصودة من قوله تعالى:(يأيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون) فما يبعث الصوم إلا على التقوى، وما يستثير في النفس غير الورع والرثاء لحال ذوى الخصاصة والمخمصة والفقراء والمساكين، وما تشعر النفس إلا بالحدب على هؤلاء، وإيثارهم بالصدقة، وبرهم بالزكاة
وأن الله جلت قدرته لعليم بما يضار به الصائم وما يلحقه من أذى إذ يترك ـ بأمره تعالى ـ طعامه وشرابه، ويقتسر اقتساراً على هجران كيوفه ولذاذاته، وما كانت تلك منه إلا بمنزلة النفس يتردد، أو القلب يتحرك!
فهذا وهذا يجتمعان على النفس، ويأتلفان على الروح، مما يصعب في قليل أو كثير على الناس، ولكن لا مناص لهم من هجران مطاعمهم وكيوفهم وإذلال نفوسهم، حتى تعرف النفس الناعمة الراضية مقدار ما يعاني أهل المخمصة من ألم الجوع وحرارة العطش وأوصاب المرض وبرحاء الألم
وهذه، ولا ريب حكمة تسمو على كل حكمة، وما تخفي مراميها على أحد سبر كنه الصيام
والصائمون وكثير ما هم، أتراهم يحسبون حكمة في الصيام؟ لعل كثرتهم الكثيرة لا ترى في الصوم إلا أنه ضرب من التسلية والتلهي؛ فلا تشق الشهر الأطول إلا بنهار نؤوم وليل ما جن؛ فإذا جاء العيد انقلبوا فكهين. وعادوا إلى ما كانوا يقارفون من فنون القطر. وكأن هؤلاء ما صاموا ولا طووا النهار عطاشاً جائعين
ولقد تجد فرداَ من الناس اقتعد من الناس مكان الصدارة، وتبوأ كرسي الرياسة، وإذا به