إن كنت - أيها القارئ الكريم - من أهل مكة المكرمة، أو ام تكن من اهله وقد أتيح لك أن تستمتع بتلك اللحظة الروحية، لحظة الغروب بالمسجد الحرام وقد أخذت مكانك خلف بئر زمزم انتظاراً لأداء فريضة المغرب، لا ريب أنك قد شهدت في (منظرة) مقام الشافعي رجلاً مرتدياً جبة بيضاء أو سوداء أو بين هذينمن الألوانقد لف عمامته على رأسه في رفق، وأخرج من جيبه ساعته العتيقة مدلاة من شريط أسود ثم نظر فيها ثم رفع رأسه إلى أعلى قليلاً بعد أن وضع يده اليمنى على خده وصدغه، وإبهامه على صماخ أذنه، ثم أرتفع صوته بالآذان صوب الآذان بتلك النغمة التقليدية: الله أكبر الله أكبر - وهو يميل لفظة الجلالة إمالة طويلة ويخطف لفظة أكبر خطفة سريعة: يكررها هكذا أربع مرات، ولا يكاد صوته ينطلق حتى تتجاوب المآذن بنداء السماء، وحتى تنطلق أفواه المصلين وقلوبهم وأرواحهم بترجيع النداء.
هذا الرجل - أيها القارئ الكريم - وأحد أفراد أسرة (الريس) التي اختصت بأن يكون لها شرف (رئاسة المؤذنين) في المسجد الحرام. ومن هنا كانت تسميتها (بالريس) بعد أن كانت تسمى في التاريخ بأسرة (الزمزمى) نسبة إلى بئر زمزم.
وعن شخصية من شخصيات هذه الأسرة سيكون بحثنا هذا، فتعال معنا إذن نعبر جسر الزمن لنطل على تاريخ هذه الأسرة بمكة في القرن الثامن الهجري:
هذه الأسرة تنتمي إلى علي بن محمد بن داود البيضاوي الشيرازي الأصل: وقد قدم علي بن محمد هذا إلى مكة في سنة ثلاثين وسبعمائة هجرية عام قدمها الفيل من العراق فباشر عن الشيخ بن ياقوت المؤذن في خدمة بئر زمزم. ولما آنس فيه الرشد والخير والكفاية آثره بخدمة هذا البئر متنازلاً له عنها، وزوجه بابنته فولد له منها ولده أحمد وغيره من اخواته، وأصبح في عقبة أمر البئر ومعها سقاية العباس رضى الله عنه. بعد ذلك تعال معي ننحدر مع الزمن لنشرف على القرن التاسع الهجري وهو يلفظ أنفاسه الأخيرة حيث نشهد ميلاد عبد العزيز الزمزمي وهو موضوع هذا البحث، ففي سنة تسعمائة هجرية كان