للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[طرائف من العصر المملوكي:]

الشعر والنقد الاجتماعي

للأستاذ محمود رزق سليم

نقد المجتمع من أهم ما يعنى به المصلحون، إذ يقوم إصلاحهم على دعامة منه، ينظرون في شئون مجتمعهم، ويتتبعون ضروب الفساد فيه، ثم يحملون عليها حملات شعواء لا تبقي ولا تذر، ويبينون للناس ما هم متردون فيه من شقاء. ثم يعملون جاهدين على إنقاذهم من مترداهم، وتوجيههم إلى سبل السعادة المرجوة. فمثلهم مثل الأطباء يتحسسون الداء ويصفون الدواء. وكلما اتضحت ضروب الفساد، وناء المجتمع بما فيه من أمراض، اشتدت الحاجة إلى هؤلاء المصلحين، ودعت الداعية إلى بروزهم في الميدان ليعملوا ويكافحوا. فيلجأ الخطيب منهم إلى خطابته والكاتب إلى مقالته والشاعر إلى قصيدته وذو الرأي إلى قريحته وفكرته وقد يكون الشعراء أبعد القادة وأولي الرأي عن النظر في شئون المجتمع من ناحية تلمس نقائصه، وتتبع مثالبه، والعمل على تلافيها والدأب على إصلاحها. إذ هم في أغلب أمرهم صدى للمجتمع نفسه بما فيه من نقائص ومثالب، لذلك يلتمس مؤرخ الأدب أحياناً نقائص عصر ومثالبه في شعر شعرائه، كما يلتمس مزاياه وفضائله سواء بسواء. فكم يكون جميلاً إذن، أن نرى الشعراء يدلون بدلوهم في الدلاء، ويشاركون في باب الإصلاح، ويتتبعون مثالب مجتمعهم ونقائصه فينحون عليها باللائمة ويثقلون ليها بالنقد اللاذع، ويشهرون أمر فساده بين الناس حتى تتضح معالمه وتبين شياته وهناته. . .

إنها لظاهرة أدبية طيبة واتجاه فكري سام، يسجله مؤرخ الأدب لشعراء عصر من العصور، إذا ما وجد من بينهم ثلة صالحة يهولها فساد المجتمع، ويروعها اتضاعه وترديه، فتعمل جاهدة في صدق على نقده وتنفيره مما هو فيه، على أمل أن يثوب إليه رشده، ويثوب إليه صوابه. ثم هي بذلك تمد التاريخ بوثائق صادقة يقرأ فيها بوضوح بعض نواحي العصر.

هكذا نسجل - ونحن نؤرخ العصر المملوكي وأدبه - هذه الظاهرة النابهة لشعرائه. فقد أضحى النقد الاجتماعي غرضاً شائعاً هاماً بين أغراضه الشعرية المطروقة.

وإن القارئ ليملؤه العجب ويأخذه الدهش إذا علم أن شعراء هذا العصر هم وحدهم الذين

<<  <  ج:
ص:  >  >>