للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[هكذا قال زرادشت]

للفيلسوف الألماني فردريك نيتشه

ترجمة الأستاذ فليكس فارس

العلماء

وكنت نائماً فإذا نعجة تتقدم فتقضم اللباب المعقود إكليلا على رأسي، فكانت تعمل أنيابها فيه وتقول: لم يعد زارا من العلماء

وذهبت بعد ذلك مزدرية متفاخرة. ذلك ما أخبرنيه أحد الأولاد

أحب أن استلقي على الأرض حيث يلعب الأطفال تحت الجدار المتهدم وقد نبت في شقوقه العوسج والشقائق الحمراء. فإنني لم أزل عالماً في عيون الصغار وفي عيون العوسج والشقائق الحمراء. لأنها طاهرة حتى في أذيتها

أنا لم أعد عالماً في نظر النعاج. تبارك حظي فهذا ما قضى به عليّ. والحقيقة هي أنني هجرت مسكن العلماء فخرجت منه جاذبا بابه بعنف ورائي.

لقد جلست روحي الجائعة طويلا إلى الخوان، وما أنا كالعلماء متطبع على المعرفة كمن اتخذ كسر القشور مهنة له، فأنا عاشق الحرية والسير في الهواء الطلق على الأرض الباردة كما أفضل أن أتوسد جلود الثيران على افتراش أمجاد العلماء وألقابهم.

إن بي من الحماس ومن لهب الفكر ما يقطع عليَّ أنفاسي فلا يسعني إلا الاندفاع إلى رحب الفضاء هاربا من الغرف المكسوة بالغبار.

ولكن هؤلاء العلماء يتفيأون الظلال فلا يقتحمون السير على المسالك التي تلهبها حرارة الشمس، بل يكتفون بالاستكشاف كالمتفرجين يفتحون أشداقهم وينظرون إلى المارة في الشارع. هكذا يفتح العلماء أشداقهم وينتظرون اتقاد شرارة الفكر في أدمغة المفكرين. وإذا ما لمستهم بيدك تطاير الغبار ما حولهم كأنهم أكياس من الحنطة، ولكن أحداً لا يظن أن هذا الغبار المتطاير منهم هو دقيق السنابل الصفراء التي ينشج بها الصيف في زهوه.

إذا ما تظاهر العلماء بالحكمة، فإن حقائقهم وأحكامهم تهزني برعشة البرداء إذ تنتشر منها روائح المستنقعات، ولكم أسمعتني حكمتهم نقيق الضفادع.

<<  <  ج:
ص:  >  >>