كتب إلى كثير من قراء الرسالة يسألونني عن رأيي في الكتلة الإسلامية التي تدعو إليها باكستان و (الإخوان)، ويستوحش من ناحيتها لبنان و (الشبان)، فلم أجد جواباً عما يسألون خيراً من كلمة كتبتها منذ خمس سنين في الرسالة جاء فيها:
إن الجامعة الإسلامية هي الغاية المحتومة التي ستتوافى عندها الأمم الإسلامية في يوم قريب أو بعيد. ذلك لأنها النظام السياسي الذي وضعه الله بقوله:(إنما المؤمنون أخوة)؛ ثم شرع له الحج مؤتمراً سنويا ليقوى، وجعل له الخلافة رباطاً أبدياً ليبقى. وهذا النظام الإلهي أجدر النظم بكرامة الإنسان؛ لأنه يقوم على الإخاء في الروح، والمساواة في الحق، والتعاون على الخير، فلا يفرق بين جنس وجنس، ولا بين لون ولون، ولا بين طبقة وطبقة.
وظلت الجامعة الإسلامية في ظلال إمارة المؤمنين وإمارة الحجيج قوية شاملة حتى خلافة المتوكل. ثم وهي السمط فأنفرط العقد؛ وأضطرب اللسان فتفرقت الكلمة. فلما تبوأ الترك عرش الخلافة استطاعوا أن يبرموا الخيط، ولكنهم لم يستطيعوا أن ينظموا فيه الحب. فبقي المسلمون عباد يد لا يجمعهم نظام ولا تؤلف بينهم وحدة. ثم أدركت الشيخوخة دولة العثمانيين في أواخر القرن التاسع عشر فتعاونت على جسدها المنحل ذئاب الغرب، فلوح لهم عبد الحميد بالجامعة الإسلامية ذياداً عن ملكه فهروا هرير الكلاب المذعورة.
وصور لهم هذا الذعر أن الجامعة هي التعصب وسفك الدماء، فصدقوا وهمهم وكذبوا الواقع. وكان الاستعمار قد توقح وفجر، فنشأت العصبية الوطنية في الأقطار الإسلامية لدرء خطره أو تخفيف ضرره. والوطنية لا تعارض الجامعة، ولكنها تفارقها في الطريق لتلاقيها عند الغاية.
إن أوربا التي ممزقتها الأطماع وطحنتها الحروب سترحب اليوم بالجامعة الإسلامية، لأنها وحدها تملك غرس الوئام في النفوس وإقرار السلام في العالم. إنها تقوم على الإيمان المحض، وتنزل في خير مكان في الأرض، وتشمل مئات الملايين من الناس، وتهيمن على الموارد الأولى للاقتصاد، وتدين بالآداب السماوية المثلى للاجتماع، وتشرق أعمالها في الصفحات العظمى من التاريخ. فمن المحال أن تظل نهباً مقسماً بين فرنسا الحمقاء، وإنجلترا المتطفلة، وهولندة الأنثى!