(أنا معلم كما تعلم؛ ولكني معلم لا أعتقد فيما يعتقده فيه الكثرة من المعلمين سواي! وذلك أنني لا أومن كثيراً بأوربا، ولا بما جاء من أوربا، إلا أن يكون ذلك شيئاً نجنيه من نفع مادي أو كشف علمي. أما فيما يتعلق بالآراء والنفس، وفيما يتصل بالعقل والقلب، فأنا شرقي ولا أحب إلا الشرق، ومصري ولا أحب إلا مصر. ولقد كان مما يؤلمني دائماً أن أرى الابن الناشئ قد عاد من إنجلترا أو من فرنسا، فلا يكاد يظهر للأعين إلا في هيئة نابية يزعم أنها دليل المدنية التي اكتسبها من الغرب، فيمتدح فرنسا أو إنجلترا وما فيها من مناهج ومناظر ومعاهد، وهو في الحق إنما يريد أن يقول إنه أثر من آثار تلك المدنية السامية التي يمتدحها، فهو يصل إلى الزهو من طريق غير مباشر، ولا يقصد إلا إلى الفخر والإعجاب بالنفس. دع ذلك، فلو كان هذا وحده هو الأثر لهان الأمر، أما أن يتعدى الأمر ما وراء ذلك فهو البلية والنكبة، ذلك بأن هؤلاء الأبناء قد وصلوا بتلك النعرة الجوفاء إلى أن يخدعوا بعض الشيوخ، أو بعض الجُوف من الشيوخ، بأنهم دعاة العلم والمدنية، فألقيت إليهم مقاليد الأمور في بعض النواحي، وكان من سوء حظ مصر أن بلغ هذا الخداع حده في مسائل التعليم. وإليك مثلاً من ذلك: إن برامج التعليم الأدبية - وهي أداة الثقافة والقومية - لا نرى فيها أثراً للشخصية المصرية: فواضع برامج التاريخ هو بعض الجُوف ممن تعلموا تاريخ أوربا، فنقلوا من هذا ما ظنوه خيراً وجعلوه منهاجاً لتلاميذ المدارس الثانوية المصرية، فكانت النتيجة أنك إذا في برامج القسم الأدبي في التاريخ خيل إليك أنك تنظر في بعض برامج فرنسا أو إنجلترا. أو خليطاً من هذا وذاك، وأما مصر فلا شأن لها في ذلك وا حسرتاه! وكذلك الحال في سائر المواد الأدبية، حتى لقد حسبت وأنا معلم أننا إنما نسعى لأعداد أبنائنا ليكونوا أجانب في عواطفهم وعقليتهم وثقافتهم
أليس هذا من العبث يا سيدي الأستاذ؟ أرجو أن تتناول هذا المعنى بقلمك القوي، ولك من أبناء البلاد الثناء الجميل)
وصديقي الأستاذ بخبرته الطويلة وعقيدته النبيلة أولى بمعالجة هذا الموضوع، ولكنه اختار له هذا الأسلوب الصحافي لتتناوله الأقلام المختلفة بالبحث والجدل، فيكون الرأي أجمع، والحكم أقطع، والبلاغ أعم