كتب الأخ العزيز الأستاذ دريني خشبة كلمة في الرسالة يدعوني فيها للمرة الثالثة إلى شرح نظرية وحدة الوجود. والحق أني وعدت ثم أخلفت، وما كان يجوز أن أخلف الميعاد، ولكن الذي منعني حق الوفاء هو عرفاني بأن لمجلة (الرسالة) قراء من جميع الطبقات في جميع البلاد العربية والإسلامية، وبهذا يكون في شرح نظرية وحدة الوجود بلبلة فكرية لا أحب أن يكون لها في هذا الوقت مجال
وأنا أتأدب بأدب الغزالي حين ألف كتاباً سماه (المضنون به على غير أهله) وهو كتاب ألفه للخواص وطواه عن جماهير الناس
ولأجل أن يدرك الأستاذ دريني خطر ما يدعوني إليه أقول أني أعتقد بأنه (ليس في الوجود فضاء ولا سكون ولا موت)
وهذا الحكم الذي صغته في كلمات يحتاج في شرحه إلى مجلدات، ثم لا يصير مع ذلك من البديهيات، لأنه من الدقة بمكان
وإذا كان الأخ قد عجب من أن أترك الإسلام على جانب حين أفكر في الأمور الفلسفية، فليس معنى ذلك أني أرى في الإسلام جوانب واهية كما قال، ولكن معناه أني لا أحب أن أحشر الإسلام في مضايق نهانا عن الخوض فيها رسول الإسلام
والأخ يعجب من أن أوثر السلامة وأتخوف من ظلم الناس، ويصرح بأن المفكرين في العصور الخوالي قد تعرضوا للظلم والقتل، وفي هذا قال الأستاذ عبد المنعم خلاف كلاماً جاء فيه أن المفكرين في هذا العصر لا يريدون أن يتحملوا في سبيل مبادئهم أي إيذاء، مع أن أسلافهم كانوا يرحبون بالنفي والتشريد والقتل
والجواب حاضر: وهو أني لا أرى لجماهير المسلمين مصلحة في أن يؤمنوا بنظرية وحدة الوجود، ولو كنت أرى لهم مصلحة في الإيمان بهذه النظرية لعرضتها في كل مكان، وتعرضت من أجلها للنفي والتشريد والقتل
وتقول أني في كتاب التصوف الإسلامي أيدت هذه النظرية في صفحات، ثم نقضتها في صفحات، وأقول إن البحث العلمي الذي ارتضيته لنفسي يوجب أن أدرس كل نظرية من