كان عدد الجيش المصري في ذلك العهد عظيما ضخما؛ ففي أيام الفائز الفاطمي استعرضت عساكر القاهرة، فكانت نحو خمسين ألف مقاتل، وكان بمراكبه عشر مراكب مشحونة بالرجال والسلاح، وهذا مع تلاشى أمر الخلفاء الفاطميين، وضعف شوكتهم. وقال المقريزي في الخطط (ج١ ص ١٣٨) ورأيت بخط الأسعد بن مهذب بن زكريا بن مماتى الكاتب المصري: سألت القاضي الفاضل عبد الرحيم: كم كانت عدة العساكر في عرض ديوان الجيش لما كانت سيدنا يتولى ذلك في أيام رزيك بن صالح؟ فقال أربعين ألف فارس ونيفاً وثلاثين ألف راجل من السودان، مما يدل على أن مصر كان في استطاعتها رد الصليبيين بجيوشها، لولا ظروف أخرى عرضناها فيما مضى.
فلما انقضت الدولة الفاطمية واستولى على الأمر صلاح الدين عنى بأمر الجيش عناية كبرى ليحقق أهدافه ومشروعاته. قال القاضي الفاضل في متجددات سنة سبع وستين وخمسمائة ومشروعاته في ثامن المحرر (أي قبل القضاء على الخلافة الفاطمية بيوم واحد، ولعل لهذا العرض مغزى سياسيا آخر يرمى إليه صلاح الدين) خرجت الأوامر الصلاحية بركوب العساكر قديمها وجديدها، بعد أن أنذر حاضرها وغائبها وتوافى وصولها، وتكامل سلاحها وخيولها، فحضر في هذا اليوم جموع شهد كل من علا سنه أن ملكا من ملوك الإسلام لم يحز مثلها؛ ولم يتكامل اجتياز العساكر موكبا بعد موكب، وطلبا بعد طلب (والطلب بلغة الغز هو الأمر المقدم الذي له علم معقود وبرق مضروب وعدة من مائتي فارس إلى مائة فارس إلى سبعين فارسا) إلى أن انقضى النهار، ودخل الليل، وعاد ولم يكمل عرضهم وبلغت عدة عساكره بمصر اثني عشر ألف فارس، فلما مات افترقت من بعده، ولم يبق بمصر مع الملك العزيز عثمان سوى ثمانية آلاف فارس وخمسمائة، إلا إن فيهم من له عشرة اتباع وفيهم من له أكثر من ذلك إلى مائة تبع لرجل واحد من الجند؛