فكانوا إذا ركبوا مظاهر القاهرة يزيدون على مائتي ألف.
واستكثر الصالح أيوب من شراء المماليك حتى كان عددهم في معركة المنصورة عشرة آلاف. ولما قامت دولة المماليك الأتراك حذوا حذو مواليهم بنى أيوب، وبلغت عدة جند بيبرس اثني عشر ألفا، ثلثها بمصر، وثلثها بدمشق، وثلثها بحلب، فإذا غزا خرج معه أربع آلاف يقال لهم جيش الزحف، فإن احتاج استدعى أربعة أخرى، فإن اشتد به الأمر استدعى الثالثة. وكان في خدمة قلاوون من المماليك اثنا عشر ألفا كذلك، وكذلك كانت عدة مماليك ولده الأشرف خليل بن قلاوون
والظاهر أن ذلك كان عدة الجيش النظامي، وفي غير وقت النفير العام. أما الجيش في الحملات الحربية، وعند النفير العام، فإن عدده ما كان يقف عند هذا الحد، فكان جيش قلاوون في معركة حمص التي هزم فيها المغول يبلغ خمسين ألف مقاتل؛ وكان في الحملة التي بعث فيها قلاوون إلى بلاد النوبة سنة ٦٨٨ أربعين ألف راجل. قال لين بول: احتفظ بيرس باثني عشر ألف جندي نظامي دائم، وهذا بخلاف الاحتياطي من العرب والمصريين، وما تقضي به الظروف من تجنيد الطبقات من المجندين. وفي المعارك الكبرى كان المتطوعون يقدمون من كل فج حتى ليزيد عددهم عن الجند المقيدين. قال صاحب النجوم الزاهرة (ج٨ ص ٥): اجتمع مع الأشراف خليل علي عكا من الأمم ما لا يحصى كثرة، وكان المطوعة أكثر من الجند ومن في الخدمة.
وهذا الجيش الضخم هو الذي استطاع بمثابرته أن يرد جحافل التتار، وأن يطرد الفرنج من الديار.
ولا غرابة أن تبلغ العناية بأمر الجيش ذروتها في العهد الذي هاجم الغرب فيه الشرق، ووقفت فيه مصر والشام تدافعان عن كيانهما الصليبيين والتتار. وإذا كانت العناية بأمر الجيش في آخر عهد الفاطميين قد وجهها الوزراء إلى ناحية الاحتفاظ بمراكزهم، فإن نور الدين محمود بن زنكي، وأمراء المقاطعات السورية في عهده قد عنوا بجيوشهم وأبلوا البلاء الحسن في حرب الصليبين. ولو إن مصر والشام كانتا متحدتين في يد قوية، ما استطاع الصليبيون تثبيت أقدامهم في الشام. وفي عهد صلاح الدين عنى به عناية فائقة وارتقى فن الحرب في عهده وعهد نور الدين من قبله، وما كان يغفلان يوما عن تقوية