جسمهما بالرياضة البدنية. وفي عهد الصالح أيوب بنى لمماليكه بجزيرة الروضة قلعة جهزها بكثير من الأسلحة والآلات الحربية والأقوات، وأسكنهم فيها، وجعل حول تلك القلعة شواني حربية مشحونة بالسلاح معدة لقتال الفرنج إذا طوقوا البلاد. وعنى الظاهر بيبرس بالجيش وإعداده وتمرينه على الأعمال الحربية، وكان ذلك من أهم ما شغله طوال أيام حكمه، حتى اتسم عصره بسمة الجد وشاعت فيه روح الجندية، فكان عندما يئوب من الحرب لا يدع جيشه للراحة والسأم بل يدربه على الأعمال الحرب، ويستعرضه في الحين بعد الحين ليرى أينقصه شيء؟ وكثيرا ما اشترك هو وابنه الملك السعيد في مناورات الجيش وكان موضع الإعجاب والتقدير، وعنى بيبرس بالحياة الخلقية لجنده فحرم عليهم الفسق وشرب الخمر ونودي يوم عيد الفطر وبيبرس والجند على باب صفد: من شرب خمرا أو جلبها شنق ولم تقل العناية بالجيش في عهد قلاوون الذي كان يخرج غالب أوقاته في مواعيد الطعام للمماليك ويأمر بعرضه عليهم، ويتفقد لمهم، ويختبر طعامهم في جودته ورداءته فإن رأى فيه عيبا اشتد على المشرف وإلا استدار ونهرهما، وحل بهما منه ما يكرهان. والزم المماليك الإقامة بقلعة الجبل لا يبرحونها ولكن يظهر أنه لم يكن كبيبرس في شدة تزمته، بل أباح لجنده اللهو البريء، فبينما كان الغناء كالمحرم في عهد بيبرس إذا بنا نرى طائفة من الجند قادمة لقتال على رءوسهم البيض مقلدين سيوفهم وبأيديهم الرماح وأمامهم العبيد تميل على الركائب وترقص بتراقص المهارة، وبأيديهم الجنائب وورائهم، الضعائن والحمول، ومعهم مغنية تعرف بالحضرمية سافرة في الهودج وهي تغني:
وكنا حسبنا كل بيضاء شحمة ... ليالي لا قينا جذام وحميرا
ولما لقينا عصبة تغلبية ... يقودون جردا للمنية ضمرا
فلما قرعنا النبع بالنبع بعضه ... ببعض أبت عيدانه أن تكسرا
سقيناهم كأسا سقونا بمثلها ... ولكنهم كانوا على الموت اصبرا
وفي عهد ابنه الأشرف عنى بالجيش، ليضرب الفرنج الضربة القاضية، وسمح لمماليكه بمبارحة القلعة نهارا على أن لا يبيتوا في غيره