عهد زاخر بالأحداث، وأيام تتلاحق بالأعاجيب، وشئون يجرفها الزمن فيدركها الذبول، وأخرى تشرق في صفحة الحياة فيقبل عليها الناس، وصراع عنيف بين القديم والحديث لا يلبث أن ينتصر فيه ثانيهما بعد شئ من التهذيب. وعناء يحسه من عاشوا في ظل الماضي قانعين بما فيه من خير أو شر، ونشاط للمجددين يحاولون به دفع الناس إلى الأمام ليدركوا قافلة الزمان
هذا هو حال الشرق خلال القرن التاسع عشر، بعد أن وصلته الأحداث بالغرب ودفعته في تياره، على فرق ما بينهما في العادات والأخلاق والعلوم، والتجارب والسياسة وظروف الحياة
ونحن نكلف الأشياء ضد طباعها، إذا تطلبنا من الشرق أن يقف موقف الجمود، والحياة من حوله صاخبة تأتي بكل عجيب، كما لا نحسن الحكم إذا رجونا منه الإسراف في التغير والانقلاب، فالعادات والتقاليد والقديم المألوف في شتى صوره ومظاهره، أمور محببة إلى النفس وصور عالقة بالفؤاد، لا يهجرها الإنسان إلا مرغماً أو مقتنعاً وكثيراً ما يقلق عقله دون الاقتناع، وإن وضح الدليل وسطع البرهان.
ولا نود أن نشق عليك - أيها القارئ الكريم - فنعرض هذا السفر الحافل بموضوعات التغير في التقاليد والدين والسياسة والاجتماع، ولكنا نلم بها في عجالة علها تفيد في شرح ما نحن بصدده من التغير الذي طرأ على الشعر خلال هذا القرن.
أرأيت إلى الشرق وكيف وقف عند تقاليده وحافظ على عاداته قروناً عدة، لا يحاول أن يربم عنها أو يرجو بها بديلاً؟ فلما تهيأ له أن يتصل بالغرب، ورأى ما رأى من عادات القوم وأساليبهم وقف المتحرجون المتزمتون في سبيل هذه العادات والتقاليد، وهتف بضرورتها المجددون، والتقى الفريقان في صراع عنيف دام عهداً طويلاً، ورأينا كتباً تؤيد وأخرى تندد، بل ما زال أثر هذا الصراع قائماً إلى الآن ونرى أثره في ظهور المرأة على مسرح الحياة ومحاولتها الوثوب إلى كثير من الحقوق.