حين يدرس هذه القواعد، لا أن يستلهم القواعد ويحكمها في الذوق والبيان العربيين. ومن ذا يستطيع أن يقول إن معنى (ما أجمل الورد) شيء أجمل الورد أو أي شيء أجمل الورد؟ أو الذي أجمل الورد شيء عظيم أو شيء أجمل الورد عظيم - من ذا يستطيع أن يقول هذا؟ ما ضر هؤلاء القوم لو فهموا الأساليب العربية أولا ثم حاولوا على ضوء هذا الفهم أن يطبقوا ما شاءوا من القواعد بشرط أن تكون هذه القواعد موضحة للمعنى المقصود لا مخفية له، فأنا لا أفهم إلا أن (الورد) في كل من المثالين السابقين مسند إليه، وكل من (ما أجمل) في المثال الأول وأجمل في المثال الثاني بمعنى جميل جداً مسند، أما كيف نعرب (ما) وهل أجمل أسم أو فعل وهل فتحتها فتحة إعراب أو بناء، وبماذا انتصبت كلمة (الورد) في المثال الأول وهل (أجمل) في المثال الثاني فعل ماض جاء على صيغة الأمر أو فعل أمر صيغة ومعنى، وهل الباء داخلة على الفاعل أو الفاعل محذوف والباء للتعددية داخلة على المفعول - كل هذا لا يعنيني أن أعرفه بل لعل من الجهل أن أعرفه إن صح أن تسمى المعرفة جهلاً.
إن المقصود من علم النحو إنما هو تقويم اللسان والتحرز من اللحن والخطأ، وأنا ما دمت أنطق هذه الجملة (ما أجمل الورد) صحيحة هكذا، وأعرف معناها سليماًأيضاً هكذا فماذا على بعد ذلك؟
وبعد: فهذا نقد سريع لبعض ما قاله النحاة في هذا الباب الذي سموه باب التعجب وهو في الوقت نفسه نوع جديد من البحث العلمي الصحيح لو تأثره القائمون بأمر النحو في مصر لكان ذلك إيذانا بانبثاق فجر جديد لقواعد العربية، ولكانت نهضة نحوية مباركة كهذه النهضة الأدبية المباركة التي تعم مصر الآن.