للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وقال الفريق الرابع: (ما) نكرة ناقصة والجملة بعدها صفة والخبر محذوفأيضاً والتقدير شيء أجمل الورد عظيم، هذا ولم أتجاوز (ما) إلى (أجمل الورد).

واختلفوا أيضاً في (اجمل الورد) فقال بعضهم: إن (أجمل) فعل للزومه مع ياء المتكلم نون الوقاية نحو ما أفقرني إلى عفو الله، ففتحته فتحة بناء كالفتحة في نحو على أكرم محمداً، (والورد) مفعول به. وقال الفريق الآخر إن (أجمل أسم لمجيئه مصغراً في نحو قول الشاعر (ياما أميلح غزلانا شدن لنا) ففتحته فتحة إعراب كالفتحة في نحو (على عندك) (والورد) مشبه بالمفعول به لوقوعه بعد ما يشبه الفعل في الصورة.

هذا ما قاله النحاة في (ما أجمل بالورد) فإذا كنت قد فهمت من هذا الكلام كله معنى هذه الجملة فأنت موفق سعيد، أما أنا فلم أفهم من هذا الكلام إلا أنه لغو من القول يجب أن تنزه عنه الأسماع والعقول تنزيها.

أما ما قاله النحاة في (أجمل بالورد) فقد اتفقوا على فعلية أجمل، ثم اختلفوا فقال بعضهم لفظه لفظ الأمر ومعناه الخبر، وهو في الأصل فعل ماض على صيغة افعل بمعنى صار ذا كذا، فأصل (أجمل بالورد) أجمل الورد أي صار ذا جمال ثم نقل إلى إنشاء التعجب فغيرت الصيغة من الماضي إلى الأمر ليكون بصورة الإنشاء، ثم زيدت الباء في الفاعل، وعلى هذا فأجمل مبني على فتحة مقدرة منع من ظهورها مجيئه على صورة الأمر، وقال البعض الآخر (أجمل) لفظه ومعناه الأمر، وفيه ضمير مستتر مرفوع على الفاعلية والباء للتعدية داخلة على المفعول به، ثم اختلفوا في مرجع الضمير المستتر فقيل الضمير للجمال المدلول عليه بأجمل، وقيل الضمير للمخاطب.

أرأيت إلى أني لم أكن مخطئاً حين خفت عليك أن تضحك أو أن تقهقه حين تسمع هذا الكلام - أستغفر الله - وكنت خليقاً أن تحزن وأن تتألم حين تعلم أن شيوخ النحو في مصر ما زالوا يلوكون هذه السخافات، وما زالوا يخدعون الطلاب بهذا الدجل العلمي، وما زالوا يفسدون العقول والأذواق، ويميعون الملكات الأدبية في نفوس الشباب، وما أسرع ما ينخدع الشباب بهذا التخريف، فيظن حين يعلك هذه الألفاظ أنه قد فهم قواعد العربية، وهو لم يفهم إلا قواعد الجهل إن كان للجهل قواعد يتسنى للمرء أن يفهمها.

إن من يريد أن يدرس قواعد اللغة العربية يجب أن يستلهم الذوق العربي والبيان العربي

<<  <  ج:
ص:  >  >>