تختلف أساليب الرحالين والسياح في كتبهم تبعاً لاختلاف أمزجتهم وطبائع نفوسهم. فمنهم المتزمت الوقور كابن جبير، ومنهم الناقد اللاذع كعبد اللطيف البغدادي - وخاصة حينما نزل مصر ورأى فيها ما لم يعجبه. ومنهم المحدث المتفضل بالحديث عن نفسه والدوران حول شخصه كابن بطوطة. ومنهم الذي يدرس الطبائع والظواهر كالمسعودى. ومنهم الدقيق الملاحظة المستفيد مما تقع عليه عينه ليقدمه إلى بلاده بعد عودته كالشيخ رفاعة الطهطاوي. ومنهم الذكي المتوقد الذي يتتبع كل أمر، ويتقصى كل شيء، وينظر إليه من وجهيه، ولا تفوته النكتة اللاذعة والفكاهة المرة - أو الحلوة - والنادرة المكشوفة، والعبارة المفضوحة كأحمد فارس الشدياق صاحب مجلة الجوائب. والشدياق من رحالة العرب في القرن التاسع عشر. وهو قرن اشتهر فيه منهم رفاعة الطهطاوي وأمين باشا فكري وأحمد زكي باشا. ولكنهم على فضلهم لا يرتفعون إلى منزلة الرحالة الأولين من العرب.
ومن كتاب الرحلات في القرن العشرين لبيب البتانوني بك في رحلاته إلى الحجاز وأسبانيا وأمريكا الجنوبية. وأمين الريحاني في رحلته إلى بلاد العرب. وأحمد حسنين باشا في رحلته إلى صحراء ليبية. والدكتور عبد الوهاب عزام في رحلاته إلى البلاد الشرقية ومحمد ثابت في رحلاته المتعددة حول العالم، وأحمد عطية الله في رحلاته إلى أوربا وفؤاد صروف في مشاهده في العالم الجديد
ولكل واحد من هؤلاء سبيله في الوصف، إلا أنهم يشتركون جميعاً في طابع الجد الذي يميز كتبهم
ولكن الشدياق غير هؤلاء جميعاً. فالمزح طبع أصيل فيه يشهد بذلك كتابه (الساق على الساق). وهو كتاب لم يخل من مجون أخذه عليه أهل الفضل والنظر.
وللشدياق رحلتان: أولاهما (الواسطة في معرفة أحوال مالطة - وضعهما سنة ١٨٣٤). وثانيهما (كشف المخبأ عن فنون أوربا - طبع سنة ١٨٥٤)
وقد أعلن المؤلف في مقدمة رحلتيه إنه يكتب عن حق ويروي عن صدق، فلم يمل به هوى