مرت بمصر في مدى نيف وسبعة آلاف من السنين، من عهد ما قبل التاريخ حتى يومنا هذا، أربع مدنيات عظيمة: المدنية المصرية أو الفرعونية. وهي عصر قدماء المصريين وملوكهم حتى دخول الإغريق مصر واتخاذهم الإسكندرية مقراً للحكم، والمدنية الإسكندرية، وهي عصر الإغريق والرومان الذين كانت الإسكندرية في عهدهم عاصمة البلاد. والمدنية المسيحية (أو القبطية البزنطية) وهي عصر خضوع مصر للديانة المسيحية وظهور الأقباط. ثم المدنية الإسلامية، وتبدأ بدخول العرب وتغلب الديانة الإسلامية على البلاد.
ومن ذلك تجمع مصر لنا في آثارها أعظم سجل للحضارات البارزة، وأجل كتاب يقرأ عن العصور المتعاقبة في تاريخ الإنسانية. دع عنك ما شهدت مصر من مختلف الشعوب التي تتابعت على أرضها في الفتوح المتوالية، وما تركت هذه الدول في وادي النيل من صور للثقافات المتباينة. حتى لتكفي مصر وحدها أن تعطي لمن يرغب في دراسة الفن كل شيء، وتكفية المؤونة في كل ما يريد عمله. وإننا إذا وضعنا تحت عيني القارئ بأن أديم مصر قد كان مسرحاً كبيراً لغالب الأمم التي عرفها التاريخ، مثلت فيه كل واحدة دورها، وصرعت عليه أمة بعد أمة. وإذا أشرنا إلى أن كل أمة من هذه الأمم تركت على هذا الأديم أثراً من ثقافتها، وأثراً من نفسيتها، إن كان كبيراً أو ضئيلاً. فقد تكون مصر وحدها أجدر دول التاريخ بالدراسة. فضلاً عن أنها المصدر الأول للمدنيات جميعاً.
ويكفي لنقرر كيف جمعت مصر في أرضها حضارات العالم بأجمعه بان نشير إلى العناصر التي دخلت فيها من الحروب والفتوح، مدى التاريخ القديم حتى يومنا هذا. فقد تعاقب على مصر من عناصر الأمم المختلفة: الساميون. والهكسوس (البدو الرعاة). واللوبيون. والأتيوبيون (النوبيون). والآشوريون. والفرس. والإغريق. والرومان. والعرب. والمغاربة. والأكراد. والشراكسة. والأتراك. والفرنسيون. والإنجليز. وقد احتك