كان من نفسه الكبيرة في جيش، وكم كبرياه في سلطان تولى زعامة الغزاة ثلاثاً وعشرين سنة فما وهن عزمه، ولا فل حده، ولا أغمد سيفه، ولا خط سرجه،
وما كان إلا النار في كل موضع تثير غباراً في مكان دخان والنفس الكبيرة تستهين بالصعاب، وتطرق على المنايا الأبواب. وما الجيوش الجرارة، والحروب المستعرة في همة الرجل العظيم إذا صمم.
فأثبت في مستنقع الموت رجله وقال لها: من تحت أخمصك الحشر حسبي من الإفاضة في وصف عثمان، والإشادة بذكره أن أنقل هنا ما كتبه أصحابه الغزاة على قبره:
(هذا قبر شيخ الحماة، وصدر الأبطال والكماة، وأحد الجلالة، ليث الأقدام والبسالة، علم الأعلام، حامي ذمار الإسلام، صاحب الكتائب المنصورة، والأفعال المشهورة، والمغازي المسطورة، وإمام الصفوف، والقائم بباب الجنة تحت ظلال السيوف، سيف الجهاد، وقاصم الأعاد، وأسد الآساد، العالي الهمم، الثابت القدم، الهمام الماجد الأرضى، البطل الباسل الأمضى، المقدس المرحوم أبي سعيد عثمان أبن الشيخ الجليل الهمام الكبير الأصيل الشهير المقدس المرحوم أبي العلاء إدريس بن عبد الله بن عبد الحق. كان عمره ثمانياً وثمانين سنة أنفقه ما بين روحة في سبيل الله وغدوة، حتى استوفى في المشهور سبعمائة واثنين وثلاثين غزوة، وقطع عمره مجاهداً مجتهداً في طاعت الرب، محتسبا في إدارة الحرب، ماضي العزائم في جهاد الكفار، مصادما بين جموعهم تدفق التيار، وصنع الله تعالى له فيهم من الصنائع الكبار، ما سار ذكره في الأقطار، أشهر من المثل السيار، حتى توفي رحمه الله وغبار الجهاد طي أثوابه، وهو مراقب لطاغية الكفر وأحزابه. فمات على ما عاش عليه، وفي ملحمة الجهاد قبضه الله إليه، واستأثر به سعيدا مرتضى، وسيفه على رأس ملك الروم منتضى، مقدمة قبول وإسعاد، ونتيجة جهاد وجلاد، ودليلاً على نيته الصالحة، وتجارته الرابحة.
فارتجت الأندلس لبعده، أتحفه الله برحمة من عنده. توفي يوم الأحد الثاني لذي الحجة من سنة ثلاثين وسبعمائة. رحمه الله).