إن المناقشة التي دارت في المجمع اللغوي بين الدكتور احمد أمين والدكتور طه حسين في حرية الكاتب وتقيده بأهداف معينة - وعلينا الشكر للأستاذ عباس خضر على نشره لموجز أدلة الفريقين - إنها لمناقشة جديرة باهتمام كبير وإن كان الموضوع قد قتل بحثاً ودرساً في الغرب منذ إن اتفق لفيكتور هيكو اختراع قوله (الفن للفن) فقد كان الصراع بين أنصار هذه النظرية - نظرية عدم استخدام الفن لأغراض معينة - وخصومها، ومن بينهم هيكو نفسه، قوياً حاداً طيلة القرن الماضي ولسنا نحن الشرقيين في حاجة إلى (تمثيل) ذلك الصراع في بلادنا وترديد آراء الغربيين في مسألة كهذه لأن الغربيين هم كما قال الدكتور إقبال الحكيم الشاعر الهندي (يكتشفون ويتتبعون مسير النجوم في السماء، ولكن لا يسعهم أن يهتدوا إلى الطريق في دنيا الأفكار) لا يؤمل منهم أن يصلوا إلى رأي قاطع حازم فيما يتعلق بالمسائل الأخلاقية، مع أن تفوقهم في العلوم الطبيعية لا يسع أحداً إنكاره في العصر الحاضر. والحقيقة التي يجب أن نتأكد منها ونذكرها دائماً، هي أن الاختلاف والتجديد في الرأي والتقدم - تلك الكلمة التي يحلو لنا الإكثار من النطق بها - إنما هو مفيد في حقل المسائل الطبيعية دون ما ينتمي إلى الأخلاق والمبادئ التي يبتني المجتمع عليها؛ فإن الحرية بشأن التعرض لها إنما تؤدي إلى عدم الاستقرار والفوضى الاجتماعية، وعلاوة على ذلك فإن الحرية لا تتميز عن الفوضى إلا بأن الأولى تحدد بحدود معروفة، والثانية لا حدود لها.
وخلاصة القول أن المسلمين في غنى عن مثل هذه المناقشة في المسائل الأخلاقية والاجتماعية، لو أنهم ردوها إلى الإسلام وسيرة الرسول. لننظر إلى قوله تعالى: والشعراء يتبعهم الغاوون وقول النبي في أمريء القيس بأنه قائد الشعراء إلى النار، ولنتقارن هذا وذاك بما هو معروف من تشجيع النبي لحسان بن ثابت وإنعامه على كعب بن زهير، ثم لنتأمل لعلنا نجد فيه حكما فصلا بأن الفن ليس للفن، بل إنه عامل من العوامل الشديدة التأثير في النفس وفي الحياة، ولذلك يجب أن يخضع لقاعدة التنظيم الإجماعي حتى يخدم أغراض المجتمع الخاصة ولا يخرج عليها. وهذا هو تفسير تلك القيود التي وضعها