إن ذكرى وفاة أبى الأسود الدؤلي تبعث إلى الذاكرة فكرة خطيرة هي تدوبن (علم النحو) وهو أول ما دون من علوم العربية. ولا أكون مبالغاً إن قلت أول ما دون العلوم قاطبة في الإسلام.
وهي بهذا القدر ذكرى عزيزة علينا تحرك النفس وتجدد الأمل إلى دراسة (تاريخ علوم اللغة) التي طالما نادينا بتحقيق دراستها، ولاسيما وأن المستشرقين أنفسهم - بعد أن رسموا بعض المناهج في دراسة - (تاريخ الآداب العربية) عجزوا عن تأريخ علوم اللغة، وفي مقدمتها تأريخ علم النحو. ولعل ذلك راجع إلى ما بين هذا العلم ونفسية العربي الخالص من صلبة قوية فلا يتم تأريخه بدون تحقيقها. أريد أن أقول: أنه لا يستطيع تأريخ هذا العلم العربي عارف بأسرار اللغة وقواعدها المتشعبة دارس لها دراسة الممحص المدقق، ملم بكل ما وصل إلى أيدينا من تراث الأقدمين وذلك ما دفعني إلى أحياء ذكرى أبي الأسود علينا من ذكراه نستلهم درات تاريخ العلوم العربية
في سنة ٦٩هـ منذ ألف وثلاثمائة سنة توفى أبو الأسود الدؤلي وقد كان علما من أعلام العربية ورجلا من رجالاتها السابقين الذين وضعوا الأسس ودونوا المسائل. وقد كان تلميذاً للأمام علي بن أبي طالب، وعنه تلقى كثيرا من المسائل الدينية أو العربية قبل أن تصبح علوماً مبوبة على النحو المصطلح عليه عندنا.
وبعد وفاة الإمام علي سنة ٤٠هـ مكث أبو الأسود في العراق وكان من أوائل المتصدرين لدراسة علوم العربية والبحث في مسائلها. ولكنه اشتهر بوضع (علم النحو) وإليه نسب وضعه.
وحول أبي الأسود دارت خلافات كثيرة من حيث وضع علم النحو وطريقة وضعة.
فقد شك بعض العلماء في نسبة وضع النحو إليه. فمن قائل أنه أول واضع له، ومن قائل إن واضعه نصر بن عاصم المتوفى سنة ٨٩ هـ، ومن قائل أنه الخليل بن أحمد المتوفى سنة ١٧٠ هـ. وذهب علماء الشيعة إلى الإمام علي وهو الواضع لعلم النحو.
وتخبط بعض المحدثين في تعيين الواضع الأول متأثراً بما ذكره ريكندورف في دائرة